عندما نغضب

كلّنا يعرف الشعور بالغضب. لا يفيدُ أن ننكُرَ أو أن نقمع هذا الشعور. علينا أن نتعلّم كيف نُوَجّهُهُ جيّدًا كي لا نُصبحَ قنابلَ مؤقّتة. كيف نتعامل معه إذًا؟ بخاصّةٍ عندما يُعبَّر عنه بطريقةٍ عنيفةٍ يُمكِنُ أن تؤدّيَ إلى نتائجَ سلبيّةٍ وربّما خطيرة؟
في مجتمعٍ يتزايدُ فيه دائمًا أكثر اللجوء لوسائل التواصل الإجتماعيّ، تجدُ الناسَ على اتّصالٍ دائمٍ مع الكثيرين، لكنّهم في الوقت ذاته، بعيدين عن بعضهم عمليًّا ونفسيًّا. ونعرفُ أنَّ ذلك يفتح الباب واسعًا للدخول في الإحباط والكَبْت، ويتفجّر أحيانًا غضبًا. ما العمل؟ كيف نُفكّك قنابل الغضب المؤقّتة هذه؟
يعتبر علمُ النفس أنّ الغضبَ الشديدَ يعودُ إجمالاً إلى جرحٍ جسديٍّ أو نفسيّ، أو كَبْتٍ مُزمِن … ويمكن أن يكونَ أيضًا محاولة لإثباتِ الذات أو لَفْتِ الإنتباه…
يقول عالم النفس إيتْزيُو أَتْشيتّي: “في حالات الغضب يشترك الجسد بِمُجْمَلِه: تتسارع دقّاتُ القلب، يصعبُ التنفّسُ وتولَدُ داخل الإنسان حاجةٌ مُلحّةٌ للقيام بشيءٍ ما كَمُتَنَفّسٍ لهذا الشعور الضاغط. لكن يكون هذا الشيء غير مناسبٍ بدوره، فيزيدُ التوتُّرَ والضغط، وندخُلُ في حلقةٍ مُفْرَغَة. مهمٌّ جدًّا إذًا محاولة التعبير بالكلام والإفساح عن سبب غضبنا وهذا ليس بسهل، لكنّه ممكن، حتّى بالنسبة للأطفال، إنّه يتطلّبُ ممارسَةً وصبرًا، وبعض الإرشادات كما سنرى لاحقًا.
صحيحٌ أنَّ الغضبَ هو أحد الظواهر المُخيفة، لذلك نحاول أن نطردَه أو نردَعَهُ كشعورٍ سلبيٍّ وحسب. لكنّنا ننسى بذلك أنّ للشعور بالغضب حَقّهُ في الوجود، وككلّ شيءٍ له أيضًا بدايةٌ ومسيرةٌ ونهاية.
في بعض الأحيان، وفي العائلة مثلاً، ينتقلُ غَضَبُ أحد الأفراد إلى الآخرين كعَدوى، ويُوَلّد وضعًا يصبح متفجّرًا. في هذه الحال هناك نصائحٌ عديدةٌ لِنَزْعِ الفتيل: تحديدُ سبب الغضب ومحاولة التعبير عمّا في داخلنا كي لا نتسبَّبَ بضررٍ لنفسنا ولغيرِنا.
من الوسائل التي تساعد على تجنّب النتائج السلبيّة لِنَوْباتِ الغضب الجارف، وهي تندرج في وسائل الوقاية:
– ممارسة تقنيّات الإسترخاء كتقنيّة التنفّس بعمق، والهدوء والوتيرة المنتظمة وذلك يوميًّا.
– نتمرّن على التعبير بالكلام وبوضوح عن أفكارنا ومشاعرنا. يمكن مثلاً أن نكتبَها على ورقة…
فلا نحتفظ في داخلنا باستياءٍ أو غيظٍ كي لا نتحوّلَ لقنابِلَ مؤقّتةٍ قابلةٍ للإنفجار في وقتٍ غير مناسب.
– ممارسة رياضة تلائمنا وبانتظام، كالركض مثلاً، كَكُرَةِ السلّة، أو السباحة، أو الرقص…
– المحافظة على نوعيّة النوم.
وغيرها وغيرها من الوسائل.
في الواقع يقول معلّمو التربية البدنيّة، أو المدربّون الرياضيّون إنّه لا يجب أن ننسى أنَّ الشعور بالغضب ليس فقط بشيءٍ سلبيّ. فهو في الواقع يُوَلّد لدينا طاقةً لمحاربة اللاعدالة أو الظلم ويحمِلُنا على إعادة النظر في السلبيّات التي نراها في شخصنا، ويدفعنا أحيانًا لتخطّي قدراتنا وفرض احترام الآخرين لنا. والرياضة هي المكان المميَّز لاختبار الغضب “البنّاء” إذا صحَّ القول، إذ يُعبّر عنه الرياضيّ بالجسد والفكر والقلب، حيث يمكنه التكلّم والتعبير عن استيائه. فالرياضة تساعدُكَ كي تصبحَ بطلاً في الحياة وبالتالي شخصًا قادرًا على قراءة مشاعرك ومشاعر الآخرين. الرياضة تُعلّمك كيف تُحسّنُ أداءك وألا تضع اللوم دائماً على اللاعبين الآخرين أو على الحَكَمْ، بل على إدارة موهبتك وقدراتك.
إنَّ الوقاية التربويّة مهمّةٌ جدًّا. يَجْدُرُ أن تعملَ المؤسّسات التربويّة من عائلةٍ ومدرسة… إلخ، على التداول بطريقةٍ إيجابيّةٍ مع النزوات الطبيعيّة لدى الأطفال والمراهقين بشكلٍ خاصّ، ولا تحاول قمعها بعد أن تكون تفاقمَتْ ودخلتْ حلقة العنف.
ولكن هناك سؤالٌ يمكن أن يطرحَهُ البعض: كيف نتعامل مع الصغار عندما يدخلون في الغضب الشديد وذلك في مكان عامّ؟ كيف يمكن أن نساعد الصغير على التكلّم عن مشاعره وهو في قلب الغضب يصرخ ويتسمّر في مكانه ويرفض أن يستمعَ إلينا؟
تجيبُ المعالِجَة النفسيّة كارينا روسّا هكذا: تُذكّرنا أوّلاً أنَّ الصغارَ يدخلون في هكذا أزماتٍ لأسبابٍ عدّة:
– لأنّهم غير قادرون على تحمّل مشاعر قويّة، مثل الخوف الشديد، واختبار الضعف أو العجز عن تحمّل ما يحدث أو إنجاز شيءٍ ما، أو الحرمان أو الكَبْت.
– لأنّهم يريدون لَفْتَ الإنتباه عندما يشعرون أنّهم مُبْعَدون أو متروكون، أو لأنّهم قد تعوّدوا لأن يَسْتَقْطِبوا دائمًا انتباه الجميع.
فإذا حدثَ ودخَلَ الطفل في نوبةِ غضبٍ شديد في مكانٍ عامّ، على أبوَيْه أن يتحلّوا برباطة الجأش ولا يتأثّروا بنظرة الناس إليهم. يأخذوه خارجًا، محافظين على هدوئهم، ليحاولوا تهدئة الطفل. يدعونه يبكي قدر ما يشاء إذا لزم الأمر. وبعد أن يهدأ، يساعدونه على الكلام عن مشاعره، ثمَّ وفقط بعد ذلك يبيّنون له النتائج السلبيّة لتصرّفه الغاضب.
من المهمّ جدًّا في هكذا أزمات أن نؤمّنَ للطفل ثقةً تامّةً وعاطفةً غير مشروطة. نصغي إليه لِنَتفهَّمَ الألم أو الجرح الذي سبّب غضبه الشديد كي يتطوّر صغيرنا بشكلٍ إيجابيّ.
على كلّ حال علينا أن نتفادى قدر الإمكان الأوضاع التي تُسبّب نوبات الغضب عند الطفل، كما علينا أن نَعرُضَ عليه بعض النشاطات التي تساعد على التعبير عن ذاته وعن مشاعره وتساعد على تخفيف وطأة الضغوطات التي ربّما يتعرّضُ لها .

المدينة الجددة الإيطالّية

 

 

Spread the love