على مثال الثالوث الأقدس
يَلْفتُني كيف توصَّلَ المسيحيّون الأوائل تدريجيًّا للإيمان بالثالوث المُقدّس، وكيف أنّ الإيمان بالثالوث، قبل أن يصبحَ عقيدةً، كان اختبارَ حياة.
إنّ الإيمان بالثالوث هو في الواقع سِمَةُ الإيمان المسيحيّ. ما من ديانةٍ تحملُ هذا المفهوم لله الذي يؤمنُ به المسيحيّون أي أنّ اللهَ محبّةٌ في ذاته، آبٌ وابنٌ وروحُ قُدُس. هو يسوع الذي أدخل المسيحيّين الأوائل في سرّ الثالوث ويُدخِلُنا نحن أيضًا اليوم في هذا السرّ. بيسوع وحدَهُ يُمكننا الدخول في هذه الحقيقة:
“لا أحدٌ يعرفُ الإبنَ إلّا الآب، ولا أحدٌ يعرفُ الآب إلّا الإبن ومن يريدُ الإبنُ أن يُظهِرَهُ له”.
“أنا هو الطريقُ والحقُّ والحياة”، يقول يسوع ويضيف: “لا أحدٌ يأتي إلى الآب إلّا بي”.
علينا إذًا أن نُوَطّدَ علاقَتَنا بيسوع، نكونَ تلاميذًا حقيقيّين له ونجعلَ من الإنجيل شرعةَ حياتنا، إذ لا يكفي أن نحفظَ تعاليمَهُ ونتأمَّلَ بها، بل أن نُطَبّقَها، نترجمَها في حياتنا، بأعمالنا ونجعلَها تقودُنا في الخيارات التي تملأُ أيّامَنا. وبقدر ما يتطابَقُ تصرُّفُنا مع تصرُّف يسوع، نكتسبُ عواطفَهُ وتفكيرَه، يومًا بعد يوم، وفوق ذلك كلّه نربحُ علاقته الحميمة مع الله.
عندها لا نعودُ نشعر أنّ الآب والروح القدس بعيدان عنّا، بل نجدُ أنفسنا نتوجّه إليهما عفويًّا كما نتوجّه إلى يسوع.
ولكن، كي نصل إلى ذلك علينا أن نقومَ بخطوةٍ “قاسيةٍ” إذا صَحَّ القول، مع ذاتنا، ذلك كي نسيرَ بتصميمٍ في طريق المحبّة، ونعرفَ بالتالي أن نقولَ بقوّةٍ لا للشرّ ولكُلِّ ما يجعلنا نَنْغَلِقُ على ذاتنا. بفضل فِعْلِ “القسوة” هذا، نربحُ ملكوت السماء. من يُغذّي حياته ويُجذّرها بالمحبّة الحقّة، يُظْهِرُ اللهُ له ذاته.
وبالتالي، وقبل كلّ شيء، تبقى المحبّةُ المتبادلة التي طلبها يسوع من تلاميذه هي الأساس لِفَهْمِنا الثالوث. ديناميكيّةُ الحياة الإلهيّة هي “عطاءُ الذات المتبادَل بلا حدود…”. فعندما نبني علاقاتِ محبّةٍ متبادلة، نَسْتوْعِبُ من دون أن ندري جوهرَ الحياة الثالوثيّة، لأنّنا نعيش الوحدة والتمايز، الإنفتاح والحميميّة، العطاء والأخذ، الكلام والإصغاء (…).
إنّ الحياةَ داخل الثالوث أي وحدة الأقانيم الثلاثة والتمايُز في ما بينها هو مثالُ كلِّ علاقةٍ بين البشر الذين خلقهم اللهُ على صورتِهِ ومثالِه. وفنُّ المحبّة هو فنُّ الوحدة والتمايز بين بعضنا البعض تمامًا كما حياة الثالوث.
لا تكمُنُ السعادةُ في أن نكونَ واحدًا مع الآخر وحسب، بل في أن نكونَ واحدًا ومتمايزين، واحدًا في المحبّة ومتمايزين في المحبّة، كما هي الحالُ بين الآب والإبن والروح القدس.
ميشال فان ديلين
Spread the love