عذرًا يا صديقي
عذرًا يا “صديقي اللدود”، أشعر بأنّني لا أستطيع أن أحبَّك…
نحن نعيش في عالم التناقض، والتناقض يعيش فينا، وبين تناقضٍ وآخر، غرقنا نحن.
لطالما كنّا “أنا وأنت”، وأنا اليوم تائهٌ في الأنا، ولا أستطيع البحث عنك. أعلمُ أنّنا تعاهدنا طويلاً أن لا سياسة ولا طائفيّة ولا عنصريّة ولا طبقيّة سوف تحولُ بيننا، ولكنّ الظروف تغيّرت؛ حين قطعنا ذلك الوعد، كان مَن هو مِن خاصّتي يَحتسي القهوة في دار من هو من خاصّتِك، لكنّ القهوة سُكِبتْ خارج الفنجان ووقعت هدرًا، فغادرا كِلَيْهُما الدار وسارا في درب العداوة، فكيف بنا أن نبقى أصدقاء؟
أعلم أنّي لم أترُكك حين تُوُفيَّ والدُكَ وأنّكَ العرّاب لإبني، ولكن خاصّتي أوّلاً.
عذرًا لعهدٍ قطعناه، عذرًا لصورةٍ علّقتُها في وجداني قبل جدران غرفتي، عذرًا لذكرياتِ سنينَ طويلة، عذرًا لكلّ ضحكةٍ جمعتنا وكلِّ دمعةٍ ذرفناها سويًّا.
عذرًا لذلك السوار الذي أهدَيْتَني إيّاه في الصفّ الخامس، كم كنتُ أتباهى به، فقد ظننتُ أنّكَ “صديقي المُفضّل إلى الأبد” كما كُتِبَ على السوار. ولكن يبدو أنّ الأبدَ زائل.
عذرًا للوعي الذي ظننتُ أنّني أتحلّى به، فأنا أُقدّر النهاية وقد شاهدتُ ما وراء الكواليس في تاريخٍ مضى. ولكنّني لا أزال أشاهدُ نفس المسرحيّة وهذه المرّة نحن أبطالُها.
أنا يا صديقي تائه. ماذا يحدثُ غدًا لو تفاقمت أصول العنصريّة والتبعيّة والطبقيّة؟ أعتقد أنّني لن أحبّ نفسي حينها، ولكنّها ليست مشكلة، فذلك أسهل عليّ من ألاّ أحبَّكَ.
يا “صديقي اللدود”، إحتفظْ بذكرياتِنا، فلَعَلَّنا نساعدُ مَن في صفّنا على تخطّي الحواجز التي تَفرِضُها أنانيَّتُنا ونعودُ كما كنّا اصدقاء، ولكن حتّى ذلك الحين: عذرَا، ربّما الآن لا أستطيع أن أحبَّكَ كما أريد، ولكنّي سأجاهِدُ كلَّ يوم.
فاطمة مكّه
Spread the love