صمت السنديانة
في حقلٍ قريبٍ من القرية نمت سنديانةٌ كبيرة، وارفة الظلّ، لم يبقَ أحدٌ من سكّان القرية إلاّ وتنعَّم بظلالها والتجأ إليها في أيّام الصيف الحارّة. وفي الجهة الأخرى نمت شجرةٌ أخرى من الصبّار لم يكن يجرؤ أحدٌ على الإقتراب منها. لكنّ الصبّار مفيدٌ للشعر والبشرة واسمه يأتي لصبر هذه الشجرة وتكيّفها للعيش في كلّ المناخات.
ورغم معرفتها بفوائدها إلاّ أنّ الغيرة أشعلت قلبها، فسألت السنديانة: “أخبريني ما هو سرّكِ؟ وماذا تفعلين كي تجذبي الناس إليكِ؟”.
تراقصت أوراقُ السنديانة الخضراء مع النسائم وأجابت:
“ليس هناك من سرٍّ أخفيه عنكِ، فظلّي يجذب الهارب من حرّ الصيف، وجذعي الناعم خيرُ جليسٍ لكلّ مُتعَب”.
نظرت شجرة الصبّار إلى نفسها يائسةً من أشواكها المؤذية التي تُبعدُ الناس عن الإسترخاء في كنفها وتغاضَتْ عن كلّ منافعِها ونسيَتْ بأنّ لها ميزاتها وإن كانت مختلفةً عن رفيقتها السنديانة.
إستمرّت في حسدها، فكانت كلّما رأت أحدًا يستغيث بظلال السنديانة ويزور سُكونَها تغضب وتحاول أن تهزَّ جذعها كي تتطاير الأشواك منها علّها تصيبُ ذلك الزّائر.
كانت السنديانة تعلم بأنّ شجرة الصبّار تحاول إيذاءها، لكنّها كانت تلتزم الصمتَ والهدوء. لم تكترث للحسد والغضب الذي يأتيها من أقرب جارةٍ لها، بل حافظت على سكونها واستمرّت في أداء عملها بفرح.
ذات يوم، وبينما كان أحد سكّان القرية مُسترخيًا يستمتعُ بالهواء العليل تحت السنديانة، تمكّنت شجرةُ الصبّار أن تنفضَ عددًا كبيرًا من أشواكها الرفيعة، وساعدها الهواء القويّ على قذف تلك الأشواك بعيدًا جدًّا، فأصابت ذلك الشابّ المسكين ودخلت بعض الأشواك في عينه.
ركض مسرعًا لطلب النجدة، وهرع الجميع لمساعدته ونقله إلى أقرب مركزٍ صحيٍّ لمعالجته. منذ ذلك اليوم قرَّرَ أهل القرية أن يتخلّصوا من شجرة الصبّار المؤذية كي لا يتكرّر ذلك الحادث. تلك الشجرة الحسودة المؤذية كتبت نهايتَها بنفسها ووقعت في شرّ أعمالها، فقُطعَت وأُحْرِقَت وتمّ التخلّصُ منها.
منذ ذلك الوقت عاد الهدوء والسلم ليُخيِّما على المكان، ونَعِمت السنديانة أخيرًا بالسلام والطمأنينة بعيدًا عن النميمة والحسد.

هكذا هي الحياة قد نلتقي بأشخاصٍ يكرهون الخير، ويشعرون بالغيرة والحسد من نجاح الغير، لكن لِمِثْلِ هؤلاء نهايةً يرسمونها بأيديهم. علينا مساعدتهم بقدر المستطاع، وبنفس الوقت تجنّبهم للحدّ من شرّهم، ومواجهتهم بالصمت والصبر، فغالبًا ما لا يعرف الشوك أن يُنبتَ زهرًا، وغالبًا ما لا يمكن للحاسد أن يُحبَّ ويتوب.
هلا قسطنطين
Spread the love