لم أكن أتوّقعُ يومًا أنّني سأدخلُ جبهةَ مُحاربة فيروس كورونا وخدمة المصابين به، على الرغم من أنّني كنتُ أرغب، لا بل أتمنّى أن أكونَ في صفّ الأطبّاء والممرّضين الذين يعملون بكلّ قوّتهم من أجل مساعدة المرضى.
لكنّ عملَ الله وتخطيطَهُ أعظم وأروع! فلا شيء صدفةٌ في حياتي، وكلُّ ما مَرَرتُ به أراه الآن بعين الإيمان. لقد حضّرني الله، ولا يزال، لأمورٍ عديدةٍ لا أعلمُ ما قد تكون، ولكن يَكْفيني أنّه هو الذي يُخطِّط.
كَوْني مُمرّضة، وكَوْني تعاملتُ مع حالاتٍ وأماكنَ انتشر فيها الوباء، كما في مدينة تالي في جنوب السودان، قد ساعدني كثيرًا. ولأنّي اختبرتُ المرض في جسدي جعلني أشعرُ بألم كلِّ مريض.
في البداية، لم يكن باستطاعتي أن أكونَ حاضرةً بالجسد، لكنّني كنتُ مستعدّةً لأن أساهِمَ بكلّ ما وَهَبَني اللهُ من معلوماتٍ وعلاقات، مع أصدقاءٍ وأطبّاء، بإمكانهم أن يُساعدوا المرضى، كلّ واحدٍ من موقعه وكلّ واحدٍ بحسب إمكانيّاته.
ما إنْ بدأ فيروس كورونا بالإنتشار حتّى اهْتَمَمْتُ بِجَمْعِ المعلومات عنه من خلال المواقع الرسميّة لمنظّمة الصحّة العالميّة ومن خلال الأطبّاء العاملين داخل مستشفيات العزل. وكانت المعرفة الأكثر واقعيّة هي من المرضى أنفسهم، إذ تسنّى لنا متابعة حالة مريضٍ هو صهرُ أحد الرهبان الفرنسيسكان. أفادتنا جدًّا المعلومات التي أمدَّنا بها حول أعراض الوباء وما يعيشُهُ المريض ويشعرُ به نفسيًّا وجسديًّا، ممّا ساعدنا كثيرًا في متابعة الحالات التي واجهناها فيما بعد. والجدير بالذكر أنّ هذا المريض شُفيَ تمامًا وعاد إلى حياته الطبيعيّة، وقد الْتَحَقَ مع زوجته بفريق الخدمة الذي يقدّم الدعمَ المعنويّ والماديّ والنفسيّ والمعرفيّ لطرق الوقاية والعلاج.
كلّما طُلِبَ منّي أن أقدّم نصيحةً حول مساعدة مريض، كنتُ أستفيد وأعتبرُها فرصةً لأن أكتشفَ أكثر وأكثر هذا الفيروس، من حيث الأعراض ومن حيث العلاج. وهذا ساعدني كثيرًا في خدمتي مع الفقراء من أجل توعِيَتِهم ومُرافَقَتِهم، بخاصّةٍ حتّى لا يشعروا بالخجل أو الخوف بسبب نظرة المجتمع إلى بعض المرضى الذين عانوا من الرفض والتنمُّر. هذا ما دفعني لأن أُعلِنَ، من خلال وسائل التواصل الإجتماعيّ، عن استعدادي كراهبةٍ إليصاباتيّه، عندها الخبرة حول هذا الوباء، لِمَدِّ يَدِ المساعدة لمن يحتاج، كالنُصحِ والإرشاد بما يجب أن يفعلَهُ المريض، أو الإهتمام الشخصيّ به طوال فترة العلاج إلى حين الشفاء.
ومن دون أن ندري، أصبحنا فريقَ خدمةٍ يضمُّ راهبًا، وصيادلةً وأطبّاء، يعملون في وحدات الحجر الصحيّ.
كنّا نُقدّمُ الدعمَ النفسيّ من خلال الإتّصال أو الرسائل، والدعمَ الروحيّ من خلال القدّاسات والصلوات، والماديّ إذا احتاج الأمرُ الى ذلك.
لم تقتصر هذه الخدمة على المسيحيّين، بل كانت لكلّ إنسانٍ طلب منّا المساعدة أو تواصَلَ معنا.
وقبل البدء بأيّ نشاط، قُمنا جميعًا، في المستشفى، بالتدريب على الإجراءات اللازمة لمواجهة الوباء بمساعدة طبيبٍ مختصٍّ بمكافحة العدوى.
ساعدنا في توعية المرضى ومرافقتهم في الإلتزام بكلّ الإجراءات المطلوبة منهم للحفاظ على أنفسهم وعلى طاقم المستشفى، كما قُمنا بالإهتمام بتعقيم المستشفى أكثر من ثلاث مرّاتٍ يوميًّا بشكلٍ عام، وبخاصّةٍ بين مرور مريضٍ وآخر، إلى جانب توفير المواد اللازمة للتطهير والإهتمام بالغسيل والنظافة. وهذا أمرٌ اعتبرتُهُ مسؤوليّتي الشخصيّة.
تمَّ كلُّ ذلك بموافقة مدير المستشفى وإدارتها. كنّا نقوم بالدعم النفسيّ والمعنويّ وتشجيع العاملين على تقديم الخدمة للمرضى من دون خوف، مع الإلتزام بكلّ الاحتياطات، وقد ساعدني في ذلك خبرة التعامل مع الأوبئة في أفريقيا.
بعد تكاثر حالات كورونا قرّرتُ أن أكونَ في الصفوف الأولى في استقبال المرضى، مما اضطرّني على البقاء في غرفة الإستقبال والطوارئ لبضعة أيّام.
أمّا على مستوى الرسالة والحياة الأخويّة فكنتُ حريصةً كلّ الحرص على تعقيم منزلنا الذي نعيش فيه والإهتمام بصحّة أختي التي رافقت هذه المسيرة بتلاوة صلاة المسبحة يوميًّا على نيّة شفاء المرضى وانتهاء الوباء في مصر والعالم.
إلى جانب ذلك، كنّا نقدّم إرشادات التوعية للكهنة حول الإجراءات الواجب اتّخاذها عند زيارتهم للبيوت من أجل تقديم الأسرار ومساعدتهم في حال ظهرت عليهم أعراض المرض وتوجيه النصيحة الطبيّة لهم.
تقول الأمّ اليصابات فيندراميني: “لتكُن كلُّ حياتنا وخدمتنا في محبّة المسيح، ثقي بالربّ ولا تخافي أبدًا…”
أ.كيارا لطيف