لِمَ كبرت ولَمْ يُخبرني العالمُ بضرورة أن أنضُج؟ كيف تحوّلتُ من طفلةٍ تؤمنُ بوجود عالمٍ سحريٍّ في ثلاّجة المنزل وتذهب إليه كلّ يومٍ في أحلامها، إلى ‘ناضجةٍ’ تكادُلا تؤمن أنّ في هذا العالم خيرٌ ينتظرُها في مكانٍ ما؟
لم على المجتمع أن يقرّرَ لنا كيف ومتى نفرح؟ ما المشكلةُ إن كنتُ أصدّقُ أنّ بابا نويل حقيقيّ، وإن كنت أؤمنُ أنّ الرجُلَ الخارقَ سيُنقِذني إذا ما وقعتُ في مأزق؟ ما الضرر الذي سيلحق بهذا العالم إذا ما فرحت لسببٍ غير موجود؟
لعلّنا دمّرنا عالمنا السحريّ بأيدينا يوم توقَّفنا عن الإيمان وما أخذنا من القصص السحريّة غير ماديّاتها! قد لا أكون سندريلاّ، ولن أجدَ ساحرةً تحوّلُ ثوبِيَ المُمزَّق لفستانٍ مبهرج، ولكنّي سأجدُ صديقةً نحوّلُ سويًّا لَيْلَنا الحزين إلى حفلنا الخاصّ، إلى حفلٍ نحن أميراتُه. قد لا أجد أميرًا يطوفُ المدينة بحذاءٍ بحثًا عنّي، ولكنّي حتمًا سأجد فارس أحلامي الذي، وإن كان متواضعًا، إلاّ أنّه سيجعلني ملكةً على عرش قلبه. من قال إنّ عليّ أن أقومَ برحلةٍ حول العالم حتّى أجدَ الراحة النفسيّة؟ قد أجدُها بكتابٍ وكوبٍ من القهوة!
إنّ السعادة أبسط ممّا أقنعنا به المجتمع، وليست مرتبطةً ب “نمط الحياة المثاليّة” الذي يُحاول نجومُ العالم الإفتراضيّ إظهاره لنا. قد تجد السعادة بابتسامة طفل، أو بصدفةٍ جَمَعتكَ بشخصٍ تشتاقُ إليه، أو بقيلولةٍ تحت ظلّ شجرةٍ في مكان بعيد، أو بلحظةٍ تنشغِلُ بِعَيْشِها بدلاً من تصويرها، أو بنبتةٍ أزهرت بعد أن ظَننتَها ميتة.
لعلّي لم أفهم معنى المَثل الشهير “ألقناعةُ كنزٌ لا يفنى” حتّى رأيتُ الناس تبيع السعادة لشراء السيّارات وتبيع الإيمان لشراء تعاسةٍ على هيئة واقعٍ نحن خطّطْناه.
فعذرًا… لن أعيشَ حياتي، ‘حياتي أنا’ كما تريدون ‘أنتم’. سأعيش قصّةً سحريّة، لكنّها قصّتي أنا! قصّةٌ تخلو من الأمراء والقصور والسحرة، وتغتني بالحُبّ والأمل والإيمان، وإن أخبرني أحدٌ في عالمي أنّه يؤمن بصديق خياليّ، فأهلاً بصديقه معنا.
فاطمة مكّه