زواجٌ يتحدّى الزمن
تواجه العائلة اليوم العديد من التحدّيات، ضغطُ العمل المتزايد، والفرديّة، والروح الإستهلاكيّة، حتّى على المستوى العاطفيّ، والسعي إلى التفوّق بأيّ ثمن، الخ… كلّها تشكّل غالبًا قنبلةً مؤقّتة، تؤدّي بسهولةٍ إلى انهيار العلاقة والإنفصال… سؤالي هو: هل لا تزال هناك علاقاتٌ زوجيّةٌ قادرةٌ على تحدّي الزمن؟
في الواقع يحلم الجميع بحُبٍّ يدوم في الزمن، لكن لا يعرفون كيف يحقّقون ذلك، فتراهم ينتقلون من علاقةٍ إلى أخرى، ومن خيبة أملٍ إلى أخرى. يتساءل الكثيرون إن كانت العلاقات الزوجيّة والعائليّة قادرةً على تحدّي الزمن؟ سأجيب على سؤالك من خلال اختبار بعض الأزواج.
يقول فيليب وجينا: “نحن متزوّجان منذ خمسين سنة. حاولنا من البداية أن نحافظَ على مساحةٍ لهٍّ في حياتنا لكنّ الأمرَ لم يكن سهلًا. عندما اكتشفنا أنّنا مختلفان أشدّ الإختلاف الواحد عن الآخر، ظنّ كلُّ واحدٍ منّا أنّه تزوّجَ الشخصَ غير المناسب! دُعينا يومًا لمؤتمر “للعائلات الجديدة”، عائلات مجموعة الفوكولاري، وكان هناك مداخلةٌ للبابا يوحنّا بولس الثاني، ولكيارا لوبيك، مؤسِّسة “عمل مريم ” أو الفوكولاري. مَنَحنا كلامُهُما القوّة لِنَقِفَ على قدمَيْنا، ودفعَنا لنحلّق عاليًا! تعرّفنا خلال المؤتمر على عائلاتٍ تُشبهنا واستطعنا أن نشاركَها بمشكِلَتِنا بحرّيّةٍ تامّة، دون أن نشعر بأيّ حكمٍ من قِبَلِ أحد. هكذا انطلقنا من جديد لنصلَ إلى يومنا هذا بفرح!
إنّ اختبار فيليب وجينا دليلٌ على أنّ الزواجَ هو دعوةٌ حقيقيّة، يمكن تحقيقها بسهولةٍ أكبر إذا مَشَيْنا جنبًا إلى جنب مع الآخرين. هذه المسيرة مهمّةٌ جدًّا، خاصّةً في بعض الحالات الدقيقة. نذكر مثلًا، روزانا وسالفادور المتزوّجَيْن منذ عشرين عامًا. ففي فترةٍ معيّنة، لاحظ سالفادور تغيُّرًا في تصرّفات زوجته التي بدأت تبتعدُ عنه عاطفيًّا أكثر فأكثر، و تغيبُ كثيرًا عن المنزل. في أحد الأيّام، نظر عن غير قصدٍ إلى هاتفها واكتشف أنّ هناك رجلاً آخر في حياتها، وهذا الرجُل ما كان إلاّ شقيقه هو! يا لها من صدمة… تمنّى الموت… ماذا يفعل؟ تكلّم عن صدمته هذه مع زوجَيْن من أصدقائه الملتزمين في جماعةٍ مسيحيّة، فكانا بالنسبة إليه نِعْمَ الأصدقاء. شجّعاه على مصارحة زوجته. لم يكن الأمر سهلًا أبدًا، بين النفي والإثبات، بين الإضطراب والمعاتبة والبكاء… لكن بعد اللقاء الثاني مع الزوجَيْن أصدقائهما، أدركتْ روزانا الأذى الذي سبّبتْه وطلبَتْ من زوجها أن يسامحها. كان مسارًا طويلًا ودقيقًا. لكنّهما تمكّنا أخيرًا من الخروج من النفق وإعادة بناء علاقتهما على أُسُسٍ أكثر صلابة.
يمكن أن تداهم العائلة محنةً معيّنة، تأتي كإعصارٍ يهزُّ البنيان: مرضٌ خطيرٌ مفاجئ، حِدادٌ أو انهيارٌ إقتصاديٌّ غيرُ مُرتَقَب، إلخ… هذا ما حدث عندما أصيب ماريو، في الأربعين من عمره، بمرضٍ خطيرٍ تركه معاقًا. هزّت المأساة إيمانَه وإيمانَ عائلته بحُبِّ الله الذي بنوا عليه حياتهم. عاشوا الشكّ والإحباط في الأشهر الأولى، ثمّ تدريجيًّا، وبمساعدة وقُرب العائلات الأخرى، إكتشفت العائلة قيمةَ الألم المُعاش في المحبّة ولمَستْ حضورَ يسوع المميّز إلى جانبها.
قصّةُ ماريو واحدةٌ من اختبارات عائلاتٍ كثيرةٍ تدلّ أنّ الزواج هو طريقُ قداسة، يُظهِرُ بشكلٍ ملموسٍ أنّه يمكننا أن نحبَّ في كلّ الظروف مهما قَسَتْ، ونَبذُلَ حياتَنا من أجل الآخر. المهمّ هو ألاّ نعزُلَ أنفُسَنا بل أن نسيرَ برفقة الآخرين.
يقول البعض أنّ الزواج يسلبُ الحرّيّة، لكنّ اختبارَ العائلات كالتي تكلّمنا عنها، يُبرهنُ أنّ الحُبَّ يُمكن أن يجمعَ بين الإلتزام والحرّية بانسجامٍ وسلام.
يؤكّد الكاردينالFarell ، رئيس دائرة العلمانيّين والأسرة والحياة، إنّ العائلة ليست فقط “أرضٌ يجب أن تُروى، بل هي بذرةٌ يجب أن تُزرعَ كي تنمُوَ وتُظهرَ جمالَ الحُبّ الزوجيّ والعائليّ”. وقالت كيارا لوبيك إنّ “مهمّةَ العائلة إبقاءُ الحُبِّ مشتعلًا في البيوت ليجدّدَ القِيَمَ التي وَهبَها الله للأسرة حتّى تستطيعَ نشرَها بسخاءٍ ودون كللٍ في كلّ مكان”.

ماريا وريموندو سكوتّو

Spread the love