رغم قساوة الحرب

بينما كنتُ أبحث عن أغنية على اليوتيوب، وجدتُ عن طريق الصدفة ترنيمةَ “أؤمن” الرائعة واستوقفتني هذه الكلمات: “أؤمن أنّ خلفَ الليل العاتي الأمواج، يعلو سراج…”، لأنّه ليس من السهل الإيمان بالنور عندما نكون في نفقٍ مظلمٍ لا نعرفُ نهايةً له، كما هي حالنا اليوم في ظلّ الحرب القائمة في منطقتنا…

عانت البشريّة الكثير من الحروب ومآسيها، مِن انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان وجرائم الحرب، والتأثير النفسيّ على الكبار وعلى الأجيال الصاعدة، ناهيك عن الكوارث الإقتصاديّة والإجتماعيّة، وعن تلوّث المياه والتربة الخ. ورغم كلّ ذلك لا تزال الحروب تنشُبُ هنا وهناك في العالم. صحيحٌ أنّ الصراع بين الشرّ والخير لا يتوقّف على هذه الأرض، لكنْ لَمْ ولن يَستسلِمَ الإنسانُ لهذا الواقع، بل سوف يتابع مواجهة الشرّ بمبادراتٍ خيّرةٍ تنبعُ مِن صميم المعاناة. الأيّام الصعبة تكشفُ لنا قدراِتنا الحقيقيّة، والنورُ الآتي مِن القلب المتألّم هو دليلٌ على أنّنا قادرون على مواجهة التحدّيات من أجل عالمٍ أفضل. أليس هذا ما نراه يتجسّد مِن حولنا وسَط قساوة الحرب الدائرة ؟

تُزهّرُ المبادرات من كلّ ناحية، ولا تقتصر على تقديم المساعدات المادّيّة للنازحين من المناطق المدمَّرة، بل تشارك كلاًّ منهم بوَجَعِه و تفكّر بما قد يلزمَهُ دون أن يطلبَه. نذكر هنا على سبيل المثال مؤسّسة “أديان” التي تعتمد عادةً التنشئة على المواطنة الحاضنة للتنوّع وتعزيز التضامن الروحيّ والتي حوّلت القسم الأكبر من قدراتها لدعم المبادرات الموجودة على الأرض بهدف تأمين حاجات النازحين.
مُلفتٌ أيضًا أنّ أكثر مِن ٥٠٠ متطوّعٍ ومتطوّعة، من طلّاب المدارس  كانوا قد شاركوا عبر وسائل التواصل برغبتَهم بمساعدة النازحين المتواجدين في المدارس، فتدفّقتْ عليهم التبرّعات على أنواعها. والأهمّ يبقى اندفاعهم للعمل ليلًا نهارًا على تغطية حاجات ١٥٠٠ شخص، بدءًا مِن المأكولات وصولاً إلى وسائل التنظيف…
يقول الأب هاني مِن “مطبخ مريم”: “نُؤَمِّنُ ٤٠٠٠ طبَقٍ يوميًّا، ومطبخُنا مفتوحٌ لكلّ الناس. يمكن لأيِّ شخصٍ أن يأتيَ ليأكل ويأخذ أطباقًا لعائلته. نتّوجه أيضًا بدعمنا للعائلات التي استقبلَتْ في دارها عائلةً أو أكثر.
عَلم شفيق الخازن، صاحب ملهى ” سْكاي بار”، أنّ أحد العاملين في المقهى لا يستطيع إيواء كلّ أعضاء عائلته النازحين من الجنوب، فما كان منه إلّا أن حوّل المقهى إلى مركز إيواء، وبدأتْ بذلك مغامرة تأمين كلّ مستلزمات المسكن والمأكل والمشرب.
واللائحة طويلة… إنّها أفعالٌ صغيرةٌ نسبةً لحجم الكارثة، لكنّها أجملُ برهانٍ على أنّ التعاطف هو الخيط الخفيّ الذي يُوَحِّدُ البشر، فهو قادرٌ أن يبنيَ مجتمعًا أكثر تضامنًا وبالتالي أكثر سلامًا.

يقول الكاتب الأميركيّ مارك توين: “إنّ التضامن والمحبّة هما الإسمنت الذي يُوَحّد المجتمعات ويبني عالمًا أفضل”. ويضيف ألبير كامو  الكاتب الفرنسيّ: “إنّ السلامَ هو النضالُ الوحيد الذي يستحقّ أن يُخاض”.

حياة فلاّح

Spread the love