يلتقي كبارُ المفكّرين والمُصلحين حول الدور التربويّ – التعليميّ الذي يُمكن أن تقومَ به وسائل الإعلام عامّةً، والصحافة المكتوبة خاصّةً.
ولأنّ وسائل الإعلام صارت مدرسةَ كلّ يومٍ، وكلّ عمرٍ وكلّ الناس، فلا نجدُ أفضلَ منها لتعميم المعرفة، ودعم القِيَم الأخلاقيّة والوطنيّة وترسيخِها في الأذهان. إنّها تساهم في تشجيع المواطنين على المشاركة في الشأن العامّ. وبناءً على هذا الدور النبيل، أدخلَها بعضُ الدُوَل صلبَ مناهجها التربويّة.
فإنسانُ عصرنا لا يُمكنُهُ الإستغناء عن وسائل الإعلام، إذا كان يريد أن يظلَّ على اتّصالٍ بالعالم الخارجيّ، والاطّلاع على مُجرَيات الأمور. فَمَنْ يعرفُ كيف يتعامل معها، يعرفُ حقوقَهُ وواجباتِه كإنسانٍ وكمواطنٍ على وجهٍ أفضل، ويُمارسها بطريقةٍ أيْسَر وأسْلَم. إنّ مُمارسة هذه الحقوق، مرتبطةٌ غالبًا، بنسبة التعرّض إلى الشاشة الصغيرة وقراءة الصحف.
طوفان الأخبار
أمّا إهمال هذه الوسائل أو التعاطي معها بسلبيّة، فهما دليلُ لامبالاةٍ وعدم اهتمامٍ بالشؤون العامّة. ولأنّ العددَ الأكبر من المواطنين، يغرقُ حتّى الإختناق في طوفان الأخبار والتحقيقات والبرامج، فإنّ المخاطر تتصاعد وتُصبح مخيفةً وشبهَ عامّة، خصوصًا عندما تتلاعب بعض هذه الوسائل بالعواطف والغرائز عن طريق الإعلانات التجاريّة وبعض البرامج المثيرة. والشباب ضائعون، فقدوا مراكز استدلالهم وأطر مراجعهم، ومعها ثقتهم بالكبار وبما أورثوهم من معضلات. إنّ عددًا من المؤسّسات الإعلاميّة يقوم بدورٍ فاعِلٍ في تكوين ظاهرة الرأي العام، وفي دفعه، أحياناً، باتّجاهٍ يُعاكسُ المصلحة العامّة، فيشوّه إلى حدٍ بعيدٍ الإرادة الشعبيّة ويُسيء إلى الوطن والمواطن.
إنّ تكاثرَ هذه المخاطر لحَرِيُّ بأخْذِ المسالة على مَحْمَلِ الجَدّ أكثر، فنعيرها اهتمامًا خاصًّا، ونُدخِلها في صميم التربية العامّة، ونسعى، بجدّيةٍ ومثابرة، إلى إعداد التلميذ والطالب والراشد، إعدادًا عِلميًّا وعَمَليًّا لمواجهة مختلف الأحداث وتيّارات الرأي، برَويّةٍ وحكمة.
القطب الجديد
خلاصة أولى: دخل على العائلة والمدرسة، أي على قطبي التربية والتعليم التقليديّيْن، قطبٌ جديدٌ قوامُهُ وسائلُ الإعلام، فصارت الركائز ثلاث، ولم يَعُدْ من المنطق ولا الحكمة تجاهُل هذا الأمر، خصوصًا وإنّ القطبَ الجديد أشدُّ فاعليّة، وأبعدُ مدى، وأكثر شموليّة، وحضوره أكثف، وأحيانًا، أمتع وألذّ وأكثر إغراءٍ من القطبَيْن الأوّلَيْن.
خلاصة ثانية: إنّ دخول القطب الجديد خلخلَ العمليّة التربويّة وغيّر العديد من المقاييس. وهذا يستدعي، حُكمًا، إعادة نظر في الشأن التربويّ عامّةً وفي البرامج والمناهج وأدوات العمل وآليّتها بخاصّة، ووضع أسُسٍ جديدة لعلاقة الإعلام بالتربية والتعليم.
ومن الآن إلى أن يتحقّق هذا المشروع، نجدُ أنّه من المُمكن توصّل وسائل الإعلام، لتربية الراشدين على فهم حقوقهم وواجباتهم وممارستها بوَعْيٍ ومسؤوليّة، وهذا من شأنه تسهيل عمليّة المشاركة الفعليّة في المشاريع الإنمائية والبيئيّة، ويساعد المواطن على تنمية وعيه الوطنيّ والحضاريّ بُغيةَ تحقيق مشاركةٍ سياسيّةٍ أفضل، لمواجهة تحدِّيات القرن الواحد والعشرين.
بقلم العميد أنيس مسلّم