دعوةٌ مميّزة وتكريمٌ مميّز
لأوّل مرّة، كما غالبيّة الحاضرين، وجدتُ نفسي في حضرة رئيس الجمهوريّة المصريّة، السيّد الرئيس عبد الفتّاح السيسي الذي أراد، تحت رعايته وبتشريفه، تكريمَ المرأة المصريّة في مئويّتها، ضمن احتفاليّة تكريم المرأة المصريّة والأمّ المثاليّة للعام ٢٠١٩، وذلك يوم ۳٠ مارس في قاعة المنارة في التجمّع الخامس. شخصيّاتٌ نسائيّةٌ من عالم السياسة والفنّ والإعلام والقضاء وعاملاتٌ من أجل الوطن، شغَلْنَ أكثر من ثُلثَي المقاعد.
فيما كنّا بانتظار بدء الإحتفال، زيّنت الأغاني الهاتفة لمصر الشاشة في وسط المسرح “مصر يا أمّ الدنيا يا، حبيبتي يا، بلدي…” وعلى وقعها راحت الأعلام المصريّة تلوحُ أبيّةً في القاعة، وعَلَت الزغاريد، فسألتُ إلهام، وهي من جمعيّة “قدِّ التحدّي” التي تهتمّ بالمسنّين والأيتام، عن شعورها في تلك اللحظة، أجابت بأبّهةٍ وابتسامةُ الترحابِ تعلو وجهها: “المرأةُ المصريّة ملكةٌ في كلّ الأوقات، عندها القدرة على سَنْدِ بلادها في كلّ الأزمنة، إنْ في الشدّة أم في الفرح”. نعم، ولهذا الشهر من كلّ عام بريقٌ ورونقٌ خاصّ، لأنّ فيه يُحتفلُ باليوم العالميّ للمرأة، فالأوطانُ تولدُ من رَحَمِ الأمّهات، وهي الملاذُ الآمِنُ والحضنُ الدافىء، وهي من يُربّي ويُعلّم ويُثقّف ويهبُ المفاهيمَ الأخلاقيّة لبناء العائلة وبناء الوطن.
“هي حكايةُ وطن، والمصريّةُ فيه أصلُ الحكاية. مئة سنة إمرأة… مئة سنة عطاء”! إعْتَلَتِ المنصّة الدكتورة مها مرسي رئيسةُ المجلس القوميّ للمرأة، وتحدّثت عن الحصاد إنْ في تولّي المرأة المناصِبَ المهمّة في البرلمان والوزارات وغيرها من المناصب ذات المستوى الرفيع، وإنْ في دورها في محور التمكين الإجتماعيّ وإرساء المعايير السامية، هي المرأةُ صانعةُ السلام وباعثةُ رسائلَ محبّةٍ للعالم. وأمّا النظرة المستقبليّة فأتَتْ ضمن تطلّعاتٍ طموحة، مثل دخول المرأة في السلك القضائيّ، وقانون حماية المرأة من كلّ أشكال العنف، وتبوُّء منصبَ رئيسة جامعة، والسعي للمزيد بظلّ قيادة رئيس البلاد.
غنّت الفنّانة لطيفة للسيّدة المصريّة، وبعد تحيّة إجلالٍ لكلّ مصريّة والإعتراف بمسيرتِها ونضالِها وبفضلِها وبقدْرِها على قدر محافظات مصر، تحدّثت الدكتورة الوزيرة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والإصلاح الإداريّ، عن جهود الدولة الحثيثة لدَعْمِ المرأة المصريّة وتمكينِها وصونِ كرامتها، وعن الإستراتيجيّة الجديدة الداعمة لكفاح المرأة المصريّة، إنْ في التمكين المعرفيّ أو الإقتصاديّ، وفي المساواة مع الرجل في اتّخاذ القرارات. فدورُها دورٌ مجتمعيّ، وعملُها عملٌ تأسيسيٌّ كبيرٌ لتغيير الثقافة وإرساء المفاهيم. وختمت بقول سقراط: “المرأةُ مصدرُ كلّ شيء. إذا أردتَ أن ترى تقدُّمَ أيّ مجتمع، فانظُرْ إلى وضع المرأة فيه”.
لا أُخفي تأثّري البليغ حين عُرضَ فيلمٌ لبضع دقائق تحت عنوان “في خدمة الوطن”: صدحت ترنيمة Ave Maria لتانيا قسّيس مع صوت المؤذّن. رأيتهنّ واعظاتٍ وراهبات يعملنَ يدًا بيد ويحملنَ رسالةً إنسانيّةً سامية، لكلّ شرائح المجتمع في الضيع والمدن. يتكلّمْنَ عن قضايا الوطن وعن مشكلات الناس، يتعاوَنّ لمصلحة المجتمع، ويُساعِدْنَ في التربية على أساس المساواة وعدم التفرقة والإحترام والأخوّة والإنسانيّة. “ألمسلمةُ والمسيحيّةُ جنبًا إلى جنب، فالدّين يجمع ولا يُفرّق. واعظةٌ وراهبة تعملان معًا فتُعطيان شعورًا بالإستقرار، وبأنّ الدنيا بألف خير، هو شعورٌ لا يوصف وحدثٌ يحصلُ في بلدنا، لم تعُدْ حكايةُ شعاراتٍ وأقوالٍ نُردِّدُها، إنّما واقعٌ نعيشُهُ بتآلفٍ كبير، فكلّنا أخوات. عزيمتُنا هي حبُّ بلدنا، وأنا كإنسانٍ أعاملكَ كإنسان، مسلمون ومسيحيّون، قلبُنا على هذا الوطن، متّحدون بوجه من يحاول التفريقَ بيننا. نحن على الأرض نفسها، نرتوي من المياه ذاتها، ونتشارك ثمار الأرض ذاتها، وعَلَمُنا لنا كلّنا له القيمة نفسها. مصر ليست مجرّد كلمة، مصر وطن، هل تعرف ما معنى أن يسكُنَكَ الوطن؟ يعني بأنّك تتألّم لألَمِه، وتفرح لفَرَحِه، فترابُك منه. لا فرق بين غنّيٍ وفقير، بين دينٍ وآخر…”. هذا بعضُ ما جاء في الفيلم القصير الذي له صفّقت الأيادي من دون انقطاع، متأثّرةً بالعمود الفقريّ للوطن، أي الوحدة بين شعبه. وطال التصفيق حين وقفْتْ واعظةٌ وإلى جنبها راهبة، ثمّ واعظة وراهبة… صفٌّ على خشبة المسرح يحملُ بكيانه رسالةَ محبّةٍ وتسامُح، تآلُفٍ وتآخي، نسيجٌ واحدٌ وقلبٌ واحدٌ وروحٌ واحدة، أيقونةُ العمل الوطنيّ.
ولم يَسَعْ رئيسُ الجمهوريّة إلاّ أن يوجّهَ رسالة شكرٍ قلبيّةٍ صادقةٍ وعفويّة لكلّ سيّدةٍ مصريّةٍ تقوم بتقوية الرابط في مجتمعها ونشر المحبّة والسلام بين الناس والتآخي والرضى. “هي رسالةُ تقديرٍ واحترام لهذا الجُهد المُقدَّر عند ربّنا أوّلاً وعند جميع المصريّين. فأنتنّ تترُكْنَ عند الناس الذين تقابِلْنَهُمْ في كلّ مرّةٍ حالةً طيّبة”. وقفت الصالة تعاودُ التصفيقَ بحرارةٍ تقديرًا لرئيس جمهوريّةٍ هو مَثلٌ وقدوةٌ في تقدير المرأة واحترامِ دورها.
من ثمّ تتالت قصصٌ لأمّهاتٍ مثاليّاتٍ مكرّمات، تحكي آلامًا وأمالاً لبطلاتٍ سلاحُهُنّ الصبر والإيمان.  بعد حديث الدكتورة وزيرة التضامن الإجتماعيّ غادة والي عن خططِ وبرامجَ الوزارة وبعد أغنية “ستّ الستّات” للفنّان أحمد جمال، كرّم الرئيس أكثر من ثلاثين سيّدة، مثالاً لضمير الأمّة النابض بفطريّتها وتفانيها وحِسّها الوطنيّ. وزّع بعدها شهاداتِ التقدير لسيّداتٍ مشرّفات عدّة، من بينهنّ أوّل سفيرة لمصر، ولعالمة ورئيسة مجلس وفنّانة، وباحثة، وراهبة، ودكتورة.
إستهلّ كلمته ب: “بنات وسيّدات النيل،عظيمات مصر”، ونوّه بالمرأة المصريّة، فهي الظهر الساند، نبع الحبّ الذي لا ينضب، معلّمة القَيَم والحكمة والمبادىء، وأكّد أنّ تطوّر أيّ مجتمع ثقافيًّا ومعرفيًّا مرتبطٌ بتطوّر المرأة. هي اليوم في ميادين العمل الوطنيّ جميعها وهي طرفٌ أساسيٌّ بمُعادلة الوطن. وطرح نقاطًا على جدول الأعمال مثل دراسة سُبُلٍ لمساهمةٍ أكبر للمرأة في العمل في القطاع الرسميّ، وتكليفها بوضع التشريعات لحمايتها من كلّ أشكال العنف المعنويّ أم العمليّ، ومشروع التوعية الأُسَريّة والعمل على إصدار قانونٍ جديدٍ للأحوال الشخصيّة الخ… كلُّ النقاط من أجل مزيدٍ من المشاركة للمرأة في المجالات السياسيّة والقطاعات كافّة، لبناء نهضة مصر. تكلّم عن وجوب احترام بعضنا البعض واحترام المرأة فكلّنا بشر، وكان مثالاً لإحترام الآخر! يكفي أن تراهُ يُرافق سيّدةً مُسنّةً إلى كرسيّها، أو يساندُها لتنزلَ السلّم بعد تكريمها على المسرح، أو انْحنائِهِ ليصغيَ لسيّدةٍ طاعنةٍ في السنّ بكلّ وقار، أو التحدّث بلباقةٍ وثقةٍ مع الجمهور الحاضر، أو بإصغائه الأبويّ وطول أناةٍ لمن قاطعه بهتافٍ أو تعليق، وبردٍّ كلّه احترام، يبعثُ الأمل في النفوس ويُغذّي الإيجابيّة عند الجميع، كلّ هذا وابتسامةُ محبّةٍ للناس على محيّاه. يشكرُ الله قبل كلّ شيء، فكلّ التقدير لرئيس دولةٍ يزرع بشائرَ الخير في مواطنيه.
ريما السيقلي
Spread the love