خلفيّة الآلام
لا يُمكننا أن نحصُرَ “الترك” الذي اختبرَه يسوع على الصليب باللحظة التي صرَخَ فيها: “إلهي، إلهي لماذا تركْتَني؟”، إذ أنّ هذا “الترك” هو خلفيَّةٌ لكلِّ آلامه، لأنّ يسوع لم يُقطَع رأسُهُ مثلاً على غرار يوحنّا المعمدان، ولم يُرجَم بالحجارة مثل القدّيس اسطيفانوس، لقد صُلب. ماذا يعني الصَلب في ذلك العصر وماذا كان يعني قبل ذلك بالنسبة للإمبراطوريّة الرومانيّة؟
كان المصلوبون مُجرمين، غالبًا سياسيّين، يريد المُجتمع أن يتخلَّصَ منهم، أن يطرُدَهم. كان العبيد المتمرّدون يُصلَبون أيضًا. من ثمّ، حين دخّلت اليهوديّة فكرة الصلب، تبنَّت هذا المفهوم وأعطَتْ الذي يُصلَب معنًى آخرًا شبيهًا بالأوّل: من يُصلَب يتمُّ فَصْلُهُ عن الشعب اليهوديّ وعن العهد بين الله وشعبه، كان يُصلَبُ خارج المدينة وكان الرومان يجعلون مَنْ يجب صلبُه يضع على كَتِفيْه الجزء العرضيّ من الصليب ويحمله بين الناس كي يسخروا منه ويشتموه، ثمّ يُصلَب على تلّةٍ ليكونَ ظاهرًا للعَيان.
خضعَ يسوع لكلّ ذلك وصَرْختُه: “إلهي، إلهي لماذا تركتني” كانت القمّة. كان هناك تركٌ متصاعِدٌ – إذا صحّ القول – بدأً من كونه صُلِبَ خارج الجدران، أمّا تَرْكُ تلاميذه له فهو بحدّ ذاته عُزلة، لقد ناموا أوّلاً في بستان الزيتون ومن ثمَّ تركوه. تَرَكَتْهُ الجموع التي كانت قد احتفلت به صارخةً “هوشعنا”. حتّى الكون ترَكَه، والطبيعةُ تركَتْه مع الظلمة التي اسْتولَتْ على المكان. ثمّ أنّه صُلِبَ عُريانًا وهذا رمزٌ للعزلة. وأخيرًا، على الصليب شعر بِتَرْك الآب له.لذلك، لم يكُن الترك لحظة الصرخة وحَسب، بل هو جوُّ آلام يسوع كلّها. بالطبع لا يجب أن ننسى بأنّ قصّة يسوع كلّها وصولاً إلى الموت والقيامة هي قصّة حبٍّ بينه وبين الآب (…) حياته ليست سوى علاقةٌ مع الآب وعلاقةٌ مع الإخوة، حتّى في لحظة “الترك”.
نقول أنّنا نريد أن نعيش “العدم” لنكونَ محبّة والطريقة كي نكونَ “العدم” هي أن نعيش مثل يسوع. أن نكونَ إرادة الله بالكامل، أن نكونَ كلّنا محبّة لهّا وللإخوة إنّه الخطّ، الطريق، الذي يجعلنا نعيش مثلما عاش يسوع مع كلّ آلام الترك.

كيارا لوبيك

Spread the love