تُعِدُّ أسرة الأمم المتّحدة في طليعة الجهود الرامية التي تهدف إلى إنقاذ كوكبنا، ومن خلال “قمّة اتفاقيّة الأمم المتّحدة الإطاريّة”، الخطوة الأهمّ في التصدّي لمشكلة تغيّر المناخ. واليوم تتمتّع هذه الإتفاقيّة بعضويّة شبه عالميّة، وقد صدَّقت عليها ۱۹٧ دولة وهي طرفٌ فيها. وهذه السنة، كما في كلّ سنة، انعقد مؤتمر الأمم المتّحدة، ولكن هذه المرّة في مدينة بون الألمانيّة في شهر تشرين الثاني، واخْتُتِمَ بالاتّفاق على مواصلة تطبيق إتفاقيّة باريس المبرمة في عام ٢۰١٥، والتي تهدف إلى الحدّ من ارتفاع متوسّط درجات حرارة الأرض، بحيث تكون الزيادة ” أقلّ بوضوح” من درجتين مئويّتين فوق درجات الحرارة قبل الثورة الصناعيّة، وذلك من أجل منع تفاقم الجفاف والفيضانات وارتفاع مستويات البحر.
سوزان بعقليني، صحفيّة في جريدة “لوريان لوجور” منذ ۱۹۹٧، متخصّصة في الكتابة عن القضايا البيئيّة.
غطّت القضايا المتعلّقة بخصخصة الأماكن العامّة في لبنان: خصوصًا تلك المشاريع المتعلّقة بالواجهة البحريّة والحدائق العامّة، وذلك منذ التسعينيات. لقد منحها اطّلاعُها الدؤوب والشامل في قضايا البيئة عامّةً، ومتابعتُها للتطوّرات المستجدّة، وحضورُ مؤتمراتٍ حول البيئة، ومنها هذا الأخير، إلمامًا مميّزًا وخبرةً شاسعة.
وبسؤالٍ توضيحيّ حول مسار المؤتمرات بشأن خطر تغيّر المناخ، وتجلّيها بدوافعها ونتائجها، حتّى المؤتمر الحالي، أشارت سوزان بعقليني إلى أنّ المفاوضات كانت قد بدأت فعليًّا منذ التسعينات وقد وصلت إلى أوجها حين أدركت البلدان أنّ التغيّرَ المناخي هو حقيقةٌ واقعة، وأنّ الأنشطة البشريّة هي السبب الرئيسيّ في ذلك.
بدأ مشوار المباحثات في مؤتمر كوبنهاغن عام ٢٠۰۹، التابع للأمم المتّحدة وقد شاركت فيه ۱۹٢ دولة، الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة. وقد وجَّهت اهتمام العالم إلى الحاجة الملحّة لمواجهة تحديّات التغيّر المناخي. لكن هذه القمّة فشلت في تحقيق أهدافها بخاصّةٍ أنّ الدول المتقدّمة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على عائدات الوقود الأحفوري. ويجدر القول بأنّ هذه البلدان استعملت الفحم كوقود، وكانت من روّاد الثورة الصناعيّة، إذ كان الوقود الأحفوري ضروريًّا لتشغيل معظم الصناعات، وحاضنةً لبناة البناء التكنولوجي لتلك الصناعات بما فيها الطاقة الكهربائيّة. أضحى استعمال الوقود الأحفوري السبب الرئيسيّ في الانتعاش الاقتصادي لهذه البلدان وذلك لمدّة مئتي سنة.
واجهت البلدان النامية تلك المتقدّمة مشيرةً إلى ضرورة تخفيض انبعاثاتها، وتصدُّر بذل الجهود، ومنح التمويل الدولي المخصَّص للبلدان النامية، كي تقوم هذه الأخيرة بدورها بتنفيذ السياسات المتعلّقة بتحقيق كفاءة الطاقة المتجدّدة وغيرها من السياسات. لكنّ المناقشات باءت بالفشل بسبب عدم مبادرة أيًّا من البلدان، وتحوّلت المناقشة إلى مجادلة ومشادّة كلاميّة، لكنّها ورغم فشلها، مهّدت لمؤتمراتٍ لاحقة، منها مؤتمر ليما في البيرو.
تابعت بعقليني حديثها بشأن مؤتمر ليما الذي تعهّد فيه المشاركون بتخفيض الإنبعاثات، وراحت كلُّ دولةٍ تقدّم دراسةً لتخفيض انبعاث غازاتها الدفينة. فلبنان على سبيل المثال، بعث بمفاوضين له من وزارة البيئة، والتزم بتخفيف الإنبعاثات الغازيّة بنسبة ۱٥ بالمئة حتّى عام ٢۰٣٠، ووعد بتكثيف استعمال الطاقة المتجدّدة، والوصول إلى نسبة ٣٠ بالمئة إن وُفّرت له الموارد الماليّة. لكن كلّ المقترحات التي أبصرت النور في هذا المؤتمر كانت غير كافية، فهي لن تحول دون ارتفاع الحرارة إلى ٣ أو ٤ درجات وإن طُبّقت بحذافيرها. لذا على كلّ بلدٍ أن يقدّم دراساتٍ طموحةٍ ويعمل بجهدٍ أكبر.
أمّا مؤتمر باريس في ال ٢٠۱٥ فتوصّل إلى تسريع وتكثيف الإجراءات والإستثمارات اللازمة لتحقيق مستقبلٍ مستدامٍ منخفض الكربون. وأبرز نقاط الإتّفاق النهائيّ لقمّة المناخ كانت في العمل على الحدّ من ارتفاع الحرارة، أدنى من درجتين مئويّتين، وتعهُّد الدول الغنيّة بتقديم مئة مليار دولار سنويًّا ابتداءً من ال٢۰٢۰ لمساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها إلى الطاقات النظيفة. ولكن الإشكاليّة تكمن في رفض الدول المتقدّمة بدفع المبلغ المتوجّب عليها. ولكن، ومع هامش تفاؤلٍ ضئيل، سيتصدّى المفاوضون لهذه الإشكاليّة في بون. وتبقى التوقّعات دون المستوى المرجوّ.
ووصفت بعقليني مؤتمر بون الذي ترأّسَته جزر فيدجي لما تُمثّل من رمزيّةٍ خاصّة، كونها من الدول الجزريّة المهدّدة بالغرق، ب “من دون إنتاجية”، وأضافت: “ما في مشروع وما في مجهود مشترك، والتخوّف الأكبر صار وقت إعلان ترامب عن انسحاب الولايات المتحدة”. لقد اعتبر ترامب أنّ اتّفاق باريس لا يصبُّ في صالح بلده وأعلن انسحابه. أكّدت بعقليني أنّه “حين ينسحب بلدٌ بهذا الحجم يُحدِثُ نكسة”. فالبعض، وبخاصّةٍ المؤسّسات الدوليّة التي تقود معركة المناخ تتلطّى بموقف إدارة الرئيس الأميركي ترامب، لذا تساءلت بعقليني إن كانت البلدان الأخرى ستتابع عملها بالنشاط نفسه، فالقضيّة متشعّبة وكلّ بلد يقف متفرّجًا.
ولكن، يجدر الذكر أنّ قرار ترامب وجد معارضةً من قبل واشنطن وكاليفورنيا ونيويورك وغيرها من الولايات الأميركيّة التي أكّدت تمسّكها باتفاقيّة باريس للمناخ على الرغم من قرار ترامب بالخروج منها.
إنّ مؤتمر بون شكّل انتقالاً من مرحلة إلى أخرى، وبات واضحًا أنّ الاتّفاق دخل مسارَ تسويةٍ جديدةٍ بين الدول الكبرى التي ستلتقي في العام المقبل.
وتعقيبًا على سؤالٍ حول إنْ كان هناك ما يُلزم الدول باستعمال الطاقات البديلة وعن استعدادها الجدّيّ، علّقت الصحفيّة بعقليني قائلة إنّ العلماء درسوا ما قدّمت الدول من اقتراحاتٍ والتزاماتٍ دوليّة، وإنهّا وإنْ طُبّقت كلّها معًا، فهي لن تمنع الإحتباس الحراري من الوصول إلى ٣ درجات كحدٍّ أدنى حتّى عام ٢۱۰۰، “وإنْ لم يقمْ أحدُ البلدان بخطوةٍ حازمة، نحن في ورطةٍ كبيرة”.
أمّا بالنسبة إلى الخطوات العمليّة لحماية كوكبنا من التلوّث كاستعمال الفلاتر، أجابت سوزان بعقليني أنّ هذا الأمر يخفّف بالطبع من التلوّث، ولكن، علينا تخفيف الانبعاثات الغازيّة بشكلٍ كبير، لذا وجب اللجوء للطاقات البديلة كاستعمال الطاقة الشمسيّة والهوائيّة الخ… كلّ ذلك يتطلّب وقتًا، ولكن، لا بُدَّ من اتّباع هذا المسار، وإن بَدَتْ كلفته عالية في البدء، فمع الوقت والمثابرة سيبدأ سعرها بالإنخفاض وستساهم بالتخلّص من الوقود الأحفوري.
وختمت بعقليني منوّهةً بأهميّة دور كلّ مواطن في حماية البيئة وعدم العيش بأنانيّة، وشدّدت على أهميّة متابعة ترسيخ الوعي من خلال الندوات البيئيّة وتوقيع الالتماسات وحماية الغابات والمحميّات وتغيير نمط حياة الأفراد… فهذه المعضلة العالميّة سببها نمط حياتنا!
إعداد ريما السيقلي