حكاية من كوفيد۳٠٠٠
يُحكى عن أناس، بعد سنواتٍ من الحياة الهنيئة، وجدوا أنفسهم فجأةً بائسين، جائعين؛ قرّروا الذهاب إلى مصر، إلى مدينةٍ عُرِفَت بحضارتها، وكانت الأكثر تطوّرًا في حينه، للبحث عن عمل، وتأمين حياةٍ أفضل.
وبعد أكثر من ٤٠٠ عام هناك، بات الشعب في بحبوحة، يمتلك كلَّ ما يحتاجه: لديهم عمل ومسكن ومأكل، وقد ساهموا في بناء واحدةٍ من عجائب الدنيا السبع، وشيّدوا المنازل والجسور، وصنعوا القوارب، واستخدموا أفضل الوسائل التقنيّة المتوّفرة آنذاك. كان الطعام جيّدًا ووفيرًا بخاصّةٍ، بصل مصر الممتاز…
ولكن، ومع الوقت، بدأ هذا الشعب يفقدُ حُرّيَّته لكثرة انغماسه بواقعه هذا، حتّى صار في عبوديّةٍ حقيقيّة. غير أنّهم، في أغلبيّتهم، رضخوا للأمر الواقع، لأنّه لم يكن أمامهم آفاقٌ أخرى..
وفي وقت ما، ظهرشابٌّ متمرّدٌ من أصول أسرة COVID ، واسمه Vaccino. شعر بحزن شعبِه الصامِت، وقرّر مواجهة الفرعون شخصيًّا. ولكن، مقارنةً مع الفرعون العظيم، فإنّ Vaccino ضعيف، صغيرُ الحجم، بخاصّةٍ وأنّ الفرعون يعتبرُ نفسه إلهًا وبإمكانِهِ إنجازُ أعمالٍ أعظم من اللهِ نفسه. لقد حقّق الكثير من الأمور الباهرة؛ أسّس اقتصادًا قويًّا، وشادَ مبانيَ كبيرة، إكتشف علم الفلك والعربات والهندسة ووضع نظامًا صحيًّا متكاملاً، يضمنُ للإنسان حتّى أن يعيشَ حياةً أخرى!
وعلى الرغم من ذلك، سرعان ما أهان ابن كوفيد فرعون مصر والمصريّين، وفضح قوّتهم المزيّفة.
خرج Vaccino مع شعبه من أرض الفرعون، وأخذ مسارًا جديدًا يصل بهم إلى أرض Terra Sana أي “الأرض السليمة”، أرض حرّيةٍ لا عبوديّة فيها. لم يكن الهدفُ سهلاً، فهو يتطلّب وقتًا وجُهدًا ليكتشفَ هذا الشعب ما هي احتياجاتُهُ الأساسيّة، ماذا تعني له الحياة، وما هي العبوديّة الحقيقيّة.
في الواقع، كان الناس قد اعتادوا، ولفترةٍ طويلة، العيشَ في هذه العبوديّة؛ لقد كبروا فيها، وكان من الضروريِّ لهم “بحجرٍ صحيٍّ” في الصحراء، لا لبلوغ “الأرض السليمة” وحسب، بل ليُغيِّروا نوعيّة حياتهم قبل الوصول.
لم يكن الحجرُ الصحيّ لمدّة أربعين عامًا في الصحراء سهلاً. هناك نتعلّم أن نعيش مع اللوازم الأساسيّة (إن وُجدَت)، نتعلّمُ ألّا نتعلّقَ بأيِّ شيء، ليس لأنّ الطقسَ حارٌّ جدًّا ولزج وحسب، بل لأنّنا ندركُ أنّ كلَّ شيءٍ زائلٌ ولا قيمةٌ له حقًّا.
خلال هذا العبور، إستطاع كلّ فردٍ من هذا الشعب، أن يرفعَ نظرَه ويتطلّعَ إلى وجه الآخر وعَيْنَيْه، ويكتشفَ فيه أخًا، ففي العبوديّة، لم يكن لديهم الوقتُ لذلك، لأنّ تركيزَهم كان على عملِهِم واهتمامِهم بأنفُسِهِم وحسب. غيرَ أنّ البعضَ لم ينجح، فالمسيرةُ والتغيّيرُ صعبان للغاية.
يبقى أنّ العديدَ من الناس بدأوا يشكرون Vaccino لأنّه سار بهم بعيدًا؛ تغيّر تفكيرُهم، رتبّوا أولويّاتِهم، أعادوا النظرَ بماضيهم، تساءلوا عن كيفيّة تحسين حياتهم… ومع ذلك، لم يدم هذا الواقع لفترةٍ طويلة، وسرعان ما عادوا يتحسّرون على بَصَلِ مصر، ويحنّون إلى الأطباق الشهيّة التي كانت في أرض النيل الخصبة، وإلى التنزُّه حول المعابد العملاقة والتأمّلِ في جمال البحر الأحمر المذهل.
إستمرّ هذا الصراع بين Vaccino والشعب طوال الحجر الصحيّ، تَخلَّلَهُ العديدُ من أوقات الفرح والسعادة شعرَ فيها الجميع أنّهم يقتربون من الإله الحقيقيّ، كما تَخلَّلَهُ العديدُ من لحظات الرثاء والتحسّر والحنين إلى العبوديّة.
كان صراعًا من أجل الوصول إلى واحة الخلاص في الصحراء! هذه الواحة بدا للبعض أنّها صارت من الماضي، وللبَعضِ الآخَر باتت حُلُمًا بسعادة لا بُدّ آتية.
وفي نهاية المطاف، وبعد مسارٍ طويلٍ وشاقّ، إنتهى الحجر الصحيّ. بلغ الناسُ ميناء الخلاص ووصلوا إلىTerra Sana . مات Vaccino عن الشعب لاغيًا عبوديّة جميع الناس.
وبدأت حياةٌ جديدةٌ في الأرض السليمة Terra Sana، حياةٌ بلا عبوديّة.
حياةٌ لا تزال مليئةً بالعوائق لكنّها تتميّز بالتمسّك بالجوهر والوعي لكيفيّةِ عَيْشِ الأساسيّات .
حياةٌ لكلّ الناس، لا لفِئَةٍ منهم تفكر فقط في نفسها وامتيازاتها الخاصّة.
حياةٌ مفتوحةٌ على معاناة شعوبٍ لا تزال تعيشُ اضطهادًا أو تُعاني من أمراض، ولا تعرفُ معنى السلام ولا يُمكنُ لها حتّى أن تتخيَّلَ وجودَ الأرض السليمة.
حياةٌ لشعبٍ حُرٍّ في داخله، قبل أن يكون حُرًّا في الظاهر.
حياةٌ لأناسٍ متواضعين، يُدركون ضُعفَهُم ومَحدودِيَّتَهم.
أناسٌ يعرفون المعنى الحقيقيّ للحياة ويعيشون كي يجدوه ويحقّقوه!

روماني رزق بطرس

Spread the love