حبّةُ بَرَكة
إعتادَ رَجلٌ عجوزٌ أن يتركَ على أشجارِ الزيتونِ في كَرْمِهِ بعدَ القطافِ حبّةَ بركةٍ تقتاتُ بها العصافير. وكانَ يؤمنُ بأنّ كلَّ مخلوقٍ على هذه الأرض يُرسلُ اللهُ له رحمةً ورأفةً كي تستمرَّ الحياة. وكثيرًا ما سأله جارُه عن سببِ تركِه بعضَ الحبّاتِ على الشجرِ فكان يُجيبُ: “إنّها حبّة البرَكة”.
كان جارُ ذلك العجوز يُحبُّه ويحترمُهُ، فأهداهُ شجرةَ تفّاحٍ من كرمِه عربونًا عن صداقَتِهِما، زَرعَها العجوز في آخرِ كرمِ الزيتونِ الذي يملكه مُمْتنًّا لصديقِهِ. ومرّت الأيّام وشجرةُ التفّاح تنمو بسرعةٍ بين أشجار الزيتون وأصبحت تحملُ ثمرًا كلّ عام، فيحملُ العجوزُ بعضًا من ثمرِها إلى صديقِهِ شاكرًا لهُ جَميلَه.
كان الجارُ في كلِّ سنةٍ يُصابُ بالدهشةِ، فبستانهُ لا يُعطي ثمرًا كما تُعطي تلك الشجرة. حارَ في أمرِهِ حتّى قرّر أن يكتشِفَ سرَّ العجوز. إتّجهَ إلى دارِ صديقِهِ وسألَهُ عن السبب، إلا أنّ العجوزَ لم يكن لديهِ الإجابة على سؤالِ جارِه.
إعتقد الجارُ أنّ صديقَه لا يريدُ أن يُخبرَهُ عن سرِّ الإعتناءِ بالشجرة، فقرّرَ أن يكتشفَ ذلكَ بنفسِهِ، فاختبأ خلفَ شجرةٍ كبيرةٍ وراحَ يُراقِبُ جيّدًا. بعدَ طولِ انتظار لم يأتِ العجوزُ إلى الحقلِ ليهتمّ بشجرةِ التفّاح، بل تفاجأ برفٍّ من العصافيرِ يُحلّقُ فوقَ شجرةِ التفّاحِ، فتفتح العصافيرُ فمَها المملوء ماءً لترويَ شجرةَ العجوز. لم يصدّق عينيهِ وهبَّ راكضًا إلى صديقِهِ ليُخبرَهُ بما رأى. لكنّ العجوزَ لم يكن متفاجئًا، بل اكتفى بابتسامةٍ صغيرةٍ ملؤها الحبّ وردّد بصوتِهِ الحنون: “إنّها حبّةُ البَرَكة”.
هكذا هي الحياة تعاونٌ وحبٌّ مُتبادَل، لا يترك اللهُ نفسًا تركت مكانًا لغيرِها في قلبِها، فأصبحَ ذلكَ القلب واحةً يقصدُها كلُّ تائهٍ أو متعطّشٍ إلى السعادة.
هلا قسطنطين
Spread the love