عندما أنهيتُ دراستي كان الكونغو بحربٍ مع البلاد المجاورة ويُعاني من أزمةٍ إقتصاديّةٍ قاسية. لذا، إختار عددٌ كبيرٌ من زملائي الهجرة إلى بلادٍ أخرى في إفريقيا وأوروبا. شخصيًّا، كنتُ قد حصلْتُ على عروض عملٍ مُغْريةٍ في بلجيكا، لكنّني اخْترْتُ العودة إلى الكونغو لِأضع المهارات التي اكتَسَبْتُها في خدمة أهل بلدي. عَملْتُ عشر سنين في مستشفى كمسؤولٍ عن قسم الطبِّ النسائيّ، ثمّ اسْتقلْتُ لِأفْتتِحَ مركزًا طبّيًّا تابعٍ لجماعة الفوكولاري في كنشاسا حيث يُمكنني أن أجسّدَ روحَ مثال الوحدة وأخلُقَ فُرَصَ عمل.
خياري هذا كان يعني نقصًا في المدخول، ولكن بفضل دعم زوجتي انطلقْتُ في هذه المغامرة بثقةٍ وفرح. كان المركز يحتوي على سريرَيْن فقط، أمّا طاقمه الطبّي فكان يقتصر على عشرة أشخاص. لكنّنا اليوم لدينا أكثر من خمسين سرير، ونُوَفّرُ عملًا لخمسين عائلة، والأهمّ هو أنّنا نُعطي الأولويّة لِكلّ مريض، لا بسبب ماله أو ربطة عنقه، والمريض الذي لا يملك شيئًا هو المَلِك.
أتركُ كلَّ يومٍ منزلي باكرًا جدًّا كي أصلَ إلى المركز قبل الوقت المحدّد، ممّا يسمح لي أن أُكَرّس كثيرًا من الوقت لِكلّ مريض. إنعكَسَ ذلك إيجابيًّا على الفريق المُعالج وعزّز ثقة المرضى بنا. نُنظّم أيضًا دوراتٍ تدريبيّةٍ ليس فقط للعاملين في المركز بل أيضًا في مستشفياتٍ أخرى. أقطعُ أحيانًا مئات الكيلومترات بالطائرة أو على الدرّاجة أو بالزورق لتدريب القابلات التقليديّات في القرى البعيدة…
واليوم، وبعد سبع سنوات من العمل انخفضتْ نسبة وفيّات الأجنّة من ٤٢ بالألف إلى ٢٨ بالألف، ولا تزال هذه النسبة تنخفضّ. إنّ عملنا مستمرٌّ بفرح، وتَفانٍ ومحبّةٍ بين الجميع.
أرثور (الكونغو)