تأثير الذكاء الإصطناعيّ
حضر مارتن هوغر، راعي الكنيسة الإنجيليّة المُصلِحة والمؤسِّس المشارِك لمجتمع الكنائس المسيحيّة في كانتون فود – سويسرا، والعضو الناشط في مجموعة الفوكولاري، مؤتمرًا جمع أشخاصًا متنمين لدياناتٍ مختلفة، تمحور حول كيفيّة بناء السلام في ميادين الحياة المتشعّبة كالسياسة والإقتصاد والبيئة. وها هو ينقل إلينا بعض ما جاء حول مفهوم الذكاء الإصطناعيّ، من خلال اللقاء بالدكتور فادي شحادة، الرئيس التنفيذيّ السابق لل
ICANN
مؤسَّسة الإنترنت التي تشرف على شبكة الإنترنت الكبيرة والمعقّدة والمعرفات الفريدة.
فمفهوم الذكاء الإصطناعيّ ليس بجديد، لكنّه استقطب مؤخّرًا اهتمامًا أوسع، حتّى أضحى التحدّث فيه محورَ حماسٍ شديد، يُرافقه قلقٌ عارم.
المخاوف الناجمة عن الذكاء الإصطناعيّ
بينما يتمثّل الجانب الإيجابيّ للذكاء الإصطناعيّ بأنّه يمنَحُنا الوصول إلى معلوماتٍ تُلَبّي احتياجاتِنا، فإنّه يُثير الكثير من المخاوف.
يشعر فادي شحادة بالقلق من استخدام الذكاء الإصطناعيّ لإكتساب السلطة، وليس فقط في الصين أو في الولايات المتّحدة الأمريكيّة! فهو يخشى أيضًا من الإستخدام العسكريّ، ومن تعظيم أرباح الشركات، إنْ لم يكن هناك إطارٌ تنظيميٌّ واضح. إنّ الذكاء الإصطناعيّ اليوم هو في أيدي ٥٪ من الشركات القويّة جدًّا. يمكن للذكاء الإصطناعيّ أيضًا خلقَ تفاوتاتٍ كبيرة، أمّا الإستخدام الأكثر إشكاليّة، فهو غيابُ الحقيقة! ستكون كميَّة المحتوى كبيرةً جدًّا لدرجةٍ أنّه سيصبحُ من العسير علينا تمييز الحقيقة.
كيف نفهم أنّ محتوًى ما على الإنترنت هو زائف؟ كيف نعرف أصلَهُ وأصالتَه؟ الخبر السيّئ هو أنّه سيكون من المستحيل قريبًا معرفة ذلك، لأنّ المحتويات ستكون مفرطةَ التخصيص، وسوف تُنتَجُ بسرعة الضوء. ماذا ستصبح الحقيقة؟ هنا يكمن السؤال المركزيّ بالنسبة لـشحادة.
دور التعليم

يعمل الذكاء الإصطناعيّ على ديمقراطيّة المعرفة، يمكن للمدارس، بل يجب على المدارس استخدام الذكاء الإصطناعيّ لزيادة معرفة الطلاّب. يبدأ التعليم بمشاركة البيانات. عندما نقوم بتنظيم تلك البيانات تُصبح معلومات. ثمّ تصبحُ المعلومات معرفةً عندما تأخذ الآلات هذه المعلومات لمقارنتها… وأخيرًا والأهمّ، يجب أن تُصبحَ المعرفةَ حكمة، لكنّ المدرسة لا تعلِّمُ ذلك، وهنا يتجلّى الدورُ الحاسم للأديان!
إنّ الأطفالَ هم مِثلُ الإسفنج. إذا لم نُغذِّهم ليميّزوا الحقيقة، سيفعل ذلك آخرون. كلُّ جهود الشركات الكبرى تهدفُ إلى استغلال الأطفال والسيطرة عليهم، فبذلك يبيعون ويسوّقون مُنتجاتِهم. يدعو شحادة إلى بناء قنواتٍ لحماية الأطفال من مصالح الشركات. يحتاجُ الأطفال إلى معلّمين جيّدين يعلّمونهم تمييزَ الحقيقة، وهذا ما لا تستطيعُ الآلة القيام به، يختم شحادة ويقول: “فلا ندعنّ الآلات تأخذ أطفالنا منّا”ّ.

ضرورة تنظيم الذكاء الإصطناعيّ
وفقًا لفادي شحادة لا يجب أن نكون حصنًا مقفلاً لحماية ما لدينا، بل يجب أن نبقى منفتحين على الآخرين. ومع ذلك، كما قرّرت الدُوَل عدم انتشار الأسلحة النوويّة، وكما تمّ تأطير الإنترنت، يجب اليوم وضعَ معايير للذكاء الإصطناعيّ.
كيف يمكننا المساهمة بمواجهة هذا التحدّي؟ نحن من دياناتٍ مختلفة، ولكنّنا نعيش روحانيّة الوحدة في الفوكولاري. كان فادي شحادة قد تعرّف على هذه الروحانية في لبنان في سنّ ١٣ عامًا. وقد ألهَمَتهُ في نشاطاته العلميّة والسياسيّة، مثل دعوة الحكومات للتعاون في ما بينها.
فادي شحادة يدعو إلى نهضة الضمائر. يقول كما إنّ الطبيب يؤدّي قسمًا لِعَدَم إيذاء الناس بعمله، على غراره يجبُ أن يكون هناك قسمٌ مشابِهٌ للمهندسين العاملين في مجال الذكاء الإصطناعيّ. لقد تمَّ تنفيذ هذا القسم في بعض الجامعات، لكن يجب توسيعه ليشمَلَ الجميع. يجب على المهندس أن يكون صاحب ضميرٍ حيّ، وإلاّ دمَّرَ نفسه، وبالتالي عليه أن يستقيلَ من شركةٍ لا تسمحُ له بأن يكون مخلصًا لقَسَمِه.

التعاون بين الأديان
كيف يمكننا تنظيم الذكاء الإصطناعيّ؟ سؤالٌ أخلاقيٌّ كبير!
فكرة التعاون بين الأديان تمنع “بناء الحصون”، فهي تُشكّل بذلك حديقةً جميلةً متنوّعةً وملوّنة. إنّ التعاون بين الأديان سيكون مثالاً يَتَّبِعُهُ الجميع.
في الختام، يقول فادي شحادة، علينا أن نستخدمَ جميعَ الأدوات التي أنشأناها من أجل تحسين الحياة والصحّة. إنّ الذكاء الإصطناعيّ هو أداةٌ إستثنائيّة، لكنّ الآلةَ لا تعرفُ الحُبّ، ولا العناية، ولا أن تكون كلَّ شيءٍ للجميع. يجب ألا ننسى أبدًا حدودَ الآلة. نحن فريدون لأنّ لدينا علاقةً شخصيّةً مع الله، وهو ما لا تمتلكه الآلة. علينا أن نتذكَّر ذلك دائمًا!

إعداد المدينة الجديدة

Spread the love