بين الكابوس والحلم
في غابةٍ بعيدة يعيش أسدٌ ظالم ينشر الخوف في قلوب كلّ الحيوانات ويسيطر على الغابة كلّها. كانت الحيوانات تهرب عندما تراه وتختبئ برُعبٍ في أوكارها.
في الغابة أيضًا يعيش أرنبٌ يتميّز بصدقه ونشاطه وحبّه للآخرين، يساعد الجميع في عملهم دون أن يطلبوا منه ذلك، فأُعْجِبَ ملكُ الغابة بنشاط ذلك الأرنب وطلب منه أن يكون تابعًا له ووعده بأنّه سيجعله ملكًا على الغابة يومًا ما.
تمنّى الأرنب بشدّةٍ بأن يصبحَ ملكًا للغابة وبدأ حلمُهُ ينمو في نفسه يومًا بعد يوم، فبدأ يحلمُ بغابةٍ سعيدة يَعمُّها العدلُ والتعاون. تقرّبَ من الأسد وبدأ يُنفّذ كلَّ رغباته لإرضائه، لكنّ الأسدَ الظالم كان يطلب من الأرنب إيذاء الحيوانات، فكان يظلمُهم بهدف إرضاء الملك الظالم. أصبح الأرنب عبدًا لدى الملك يُلبّي كلَّ ما يطلبه منه، وكلُّ ذلك فقط من أجل تحقيق حلمه بأن يصبحَ ملكا.
ذات يوم طلب ملك الغابة من الأرنب بأن يأخذ كلّ الطعام الموجود لدى الحيوانات. خاف الأرنبُ أن يرفضَ طلبَ الأسد فيأكله. وبالفعل نفّذ طلبه رغمًا عنه، فكان يهدّدُهم بأنّ الأسد العظيم سيأكلهم إذا رفضوا طلبه. حتّى أنّه كان مجبرًا على فعل هذا الأمر الفظيع مع أصدقائه وأهل بيته.
كان الأرنب يشعر بداخله بحزنٍ شديدٍ لأنّه يتصرّف على عكس قناعته، فلطالما كان هو الأرنب المحبوب الذي يتميّز بصدقه وأمانته!
كان ظلمُ ملك الغابة يزداد يومًا بعد يوم وكان الأرنب يتألّمُ من حاله التي وصل إليها، فقد سيطر عليه ملك الغابة بشكلٍ كامل. ولم يكن الأرنب محبوبًا ومدلّلًا من قِبل ملك الغابة فكان يُهينُهُ ويجرحُهُ ويعامِلُهُ معاملةً قاسية.
مرّت سنواتٌ عديدةٌ على هذه الحال، حتّى جاء يومٌ مَرِضَ فيه الأسد العظيم ولم يعد قادرًا على النهوض، فاقترح على الأرنب بأن يجعله ملكًا مكانه على الغابة باعتبار أنّه تعلَّمَ خلال كلِّ تلك السنوات أسرارَ الحُكم وكيفيّة السيطرة على الحيوانات.
جاء اليوم الذي انتظره الأرنب وتحمّل وعانى من أجل الوصول إليه، وأخيرًا سيتحقّق حلمه وسيصبح ملكًا للغابة! لكنّ الأرنبَ لم يكن سعيدًا لأنّه أراد أن يكون ملكًا عادلًا فتعيش الحيوانات بسعادةٍ وهناء. عَلِمَ الأسد بنوايا الأرنب وحلمِهِ بتغيير القوانين الظالمة، فصبّ غضبه على الأرنب المسكين وهدّده. لم يستسلم الأرنب لتلك التهديدات وتصرّف بذكاء، فاتّفق مع كلّ الحيوانات التي تحلم بتحقيق العدل والسلام على خطّةٍ للإيقاع بالملك الظالم. .
إتّجه الأرنب مسرعًا إلى الأسد وهو يصرخ بأعلى صوته: “أيها الملك العظيم يوجد في الغابة أسدٌ ضخمٌ يقول بأنّه ملكُ هذه الغابة”.
فطلب الأسد الظالم بغضبٍ من الأرنب بأن يأخذه إلى ذلك الأسد المغرور. مشى الأرنب أمامه وأوصله إلى حافّة حفرةٍ عميقة، وزعم بأنّ الأسدَ الذي يريد منافسته على الحكم يجلس في أسفلها. أحنى الملك رأسه لينظُرَ جيّدًا داخل الحفرة. وبسرعةٍ كبيرة تعاونت حيواناتُ الغابة على دفعه داخل الحفرة العميقة حيث سُجن الملك الظالم هناك مدى حياته، وأجمعت الحيوانات على رأيٍ واحد، وهو جعل الأرنب المُحبّ ملكًا عليهم، فحكم الغابة بعدلٍ ومساواة، وعمّت الفرحة قلوبَ جميع الحيوانات فعاشوا في سعادةٍ وهناء.
الحياة عبارةٌ عن أحلامٍ مستمرّة، قد نحقّق الكثير منها، لكنّ تحقيقَ هذه الأحلام لا يجعلنا نتخلّى عن مبادئنا وإلا سيتحوّل الحلم إلى كابوس وسيفقدُنا احترامَنا لذاتنا.

هلا قسطنطين

Spread the love