بيروت، حبيبتي بيروت
نعم، أنا هو الذي كان يسعى جاهدًا لوداعك، أنا الذي قال منذ شهورٍ مضت “تعبتُ من هذه المدينة، أريد الرحيل”. أنا الذي ظنّ أنّه قد كَبُر على حبِّ بيروت، فطاف يبحثُ عن حبيبةٍ أخرى تأخذه في أحضانها. بحثتُ عن دفء بيروت وسحرها، عن أناقتها ورونَقِها، عن تمدُّنِها وحضارتها، بحثتُ كثيرًا وكثيرا… ولم أجد لكِ مثيلا.
أنتِ يا بيروت أميرةٌ عربيّة تلبسُ الأصالة ثوبًا، وتحتلي الحداثةَ وتجول بين وزراء الأمم شامخة، تجمعُ الماضيَ بالحاضر فيلتفّ حولها الفنّانون لِنَقلِ أجمل صورة: بيروت!
حبيبتي، أنا من قام وقال وفعلَ وأخطأ ألف مرّةٍ ومرّة، وغادر في رحلة اللاّعودة، لكنّني عُدتُ. سامحيني.
أخبروني بأنّ بيروتَ ماتت، فلم أصدّق، وركضت إليكِ وكم أدْهَشَني ما رأيت. نعم، حبيبتي، حبيبة الملايين، ما إن تَعَثَّرَتْ حتّى التَفَّ الجميعُ حولها لرعايَتِها ومساعدتِها. جاؤوا من كلِّ حدبٍ وصوب لِلَمْلَمَةِ الذكريات وإعادة توضيبها. جاؤوا لرؤية سحر ابتسامتكِ الشرقيّة صباحًا وروح الصِبا فيكِ ليلاً.
إنهضي وانظُري، رؤساء الدول يُصلّونَ لأجلكِ وأبناؤكِ وقفوا يدًا بيد، كما كُنتِ تَحْلُمين. ألجميعُ هنا يُضمِّدُ جراحَكِ فانْهَضي. أخبريهم بأنّ بيروت لم ولن تموت!
قومي وامْسَحي غبارَ الحزن عن كَتِفَيْكِ.
قومي كي تولدَ قصصُ الحُبِّ في شوارع الجمّيزة ويَشهَدَ متحفُ سرسق على البدايات الجديدة.
قومي كي يُزهِّرَ الياسمين في شوارع الأشرفيّة العتيقة.
قومي لِيَبْقى للثقافَةِ عاصمة. قومي لِيَبْقى الخيرُ ويبقى الحبًّ ويبقى السلام.
قومي يا بيروت، قومي أنتِ لنبقى نحن.
فاطمة مكّه
Spread the love