إذا أَلْقَيْنا نظرةً على عالم اليوم نرى العديدَ من الإنقسامات والكثيرَ من المعاناة وعدم المساواة الإجتماعيّة والعديد من
الحروب. ولكن إذا أَلْقَيْنا نظرةً أشمل نرى العالمَ يتوقُ إلى الوحدة والأخوّة الشاملة.
موضوعُنا عن العائلة والوحدة، ولكنّ السؤالَ يُطْرَح: ما معنى التكلّم عن الوحدة في العائلة وهي تتلقّى هجماتٍ من كلّ الإتّجاهات، حتّى باتَتْ تفقدُ دَوْرَها في المجتمع؟ ما معنى أن نتكلَّمَ عن وحدة العائلة وعدد الأزواج الذين ينفصلون، بتزايُد؟
يدفعُنا الضياع والتقلُّبات التي يعيشُها الشباب، إلى التوقّف والتفكير: «ما هي العائلة؟ ما هي قِيَمُها؟ وما هو مخطّطُ اللّهِ عليها؟
بِمَجيئِهِ إلى الأرض رفع يسوع العائلة إلى المستوى الإلهيّ وأرجعها إلى أصولها الحقيقيّة: «يتركُ الرجُلُ أباه وأمّه ويتّحد بامرأته ويصيران جسدًا واحدًا». عندما خَلَقَ اللّهُ البشر خَلَقَهُم «عائلة»، أي رجلاً وامرأة، مَدْعُوّين لِيَعيشا الشراكة على صورة اللّه الذي هو الحُبّ بذاته.
كتب البابا يوحنّا بولس الثاني: «الحبّ الإلهيّ هو المَثَل عن الحُبّ الإنسانيّ، أي الحُبّ المُؤَلَّف من الرجُل والمرأة صورة اللّه ومثاله».
العلاقة بين الرجل والمرأة خُتِمَتْ بالعهد الزوجيّ أي بعهد الزواج، عهدٌ عَمِلْناه أمام اللّه وأمام الجماعة. يعني أن نُحِبَّ بعضنا بعضًا بالسرّاء والضرّاء، بالمرض والصحّة. إذا أَحْبَبْنا بعضنا من دون شرطٍ ومن دون مُقابل، محبّةً مجّانيّة، نُجدّدُ دائمًا الـ «نعم» التي هي عهد الوحدة.هبة الوحدة
«الوحدةُ هبةٌ من اللّه، نحن لا نستطيعُ أن نَصْنَعَ الوحدة» هذا صحيح، إنّها هبةٌ من اللّه ولكنّه لا يستطيع أن يُحَقّقها من دوننا. تقول كيارا لوبيك: «لا نستطيع أن نحقّقَ الوحدة بقوّتنا. إنّما تتحقّق بنعمةٍ خاصّةٍ تفيضُ علينا من الآب إذا لَقِيَتْ فينا التربة الصالحة، وهي المحبّة المتبادلة. نستطيع أن نطلبَ من يسوع أن يُعَلّمَنا كيف نُحقّق الوحدة، لذلك علينا أن نقدّمَ ذاتنا للآخرين من جديد، ونختار اللّه في كلّ لحظةٍ من نهارنا.web13
كلّنا مدعوّون إلى القداسة، والزواج طريقنا. طريقٌ يتطلّبُ منّا العمل من أجل الوحدة مع اللّه من خلال حُبّنا له وللإخوة. أن نكونَ بالحُبّ يعني أن لا يكونَ عندنا حقدٌ أو أحكامٌ أو قلبٌ مُنْقسِم، ولكن نكون في اللّه من خلال الحبّ، حبّ الزوج، والأولاد، والأهل، والكِنّة، والأحفاد…، أن نكونَ محبّة.
نحن نعلم أنّ هذا الأمرَ صعبٌ لأّننا مختلفون بسبب طبيعتنا، كرجلٍ وامرأة، وتَرْبِيَتِنا وكيفيّة عيشنا… الإختلافُ ممكنٌ أن يتحوّلَ إلى حاجزٍ ويخلُقَ الصراعات بيننا. إذا لم أتخلَّ عن كلّ شيءٍ لأترك مكانًا للآخر، لن يستطيعَ يسوع في داخلي أن يُعَلّمَني كيف أُحبّ الزوج والأولاد.الوحدة إلتزام
تَعَلّمْنا من حياتنا الزوجيّة أنّ الوحدةَ لا تُرْتَجَل. ولكنْ علينا التفتيشَ عنها يومًا بعد يوم من خلال أعمال محبّةٍ حقيقيّةٍ غالبًا ما تكون مُكْلِفَة. أوّلُ نقطةٍ من فنّ المحبّة تُذكّرُنا بوجوب «المبادرة بالمحبّة» أي أن نحبَّ الآخَر ولو لم يُحبّنا. نعطي الآخر لمسة حنانٍ تؤكّدُ له أنّنا قريبون منه ونساعدُهُ على فتح قلبه؛ نقوم بالجلي، وترتيب الغرف، أو مرافقة الأولاد إلى المدرسة…جوني وجسّيكا زوجان شابّان ملتزمان ، يُخبراننا عن جهدهما في عيش الحنان، يقولان:جوني: بالنسبة إليّ، كنت أرى بأعمال المحبّة العاديّة قصصًا صغيرة، حتّى تَبَيَّنَ لي لاحقًا كم هي مهمّةٌ لجَسّيكا. كنت أشعر أن هديّةَ الورود مثلاً بلا معنى، مصيرُها أن  تذبُلَ وتُرمى. مع الوقت، اكتشفتُ أهمّيّة هذه القصص وتأثيرها على الثنائي وعلى العلاقة بيننا، صرتُ أعمل بجهدٍ كبيرٍ لإيجاد أفكارٍ جديدة، مثلاً «وردة» تكون غير متوقَّعة. في النهار كنت أوقِفُ العمل خمس دقائق لأرسِلَ لها رسالة، مِمّا يشعرها أنّه على الرغم من ضغط العمل فأنا أفكّرُ بها. أو أفاجِئُها في بعض الأحيان بالعودة باكرًا إلى المنزل. كنت أشعر أنّ هذه الأمور كانت تُشعِلُ الجوّ بيننا.
جسّيكا: نهار السبت لا يذهب جوني إلى العمل، والأولاد يستيقظون باكرًا يريدون الخروج. ولأنّي أعرف أنّ جوني يتمنّى أن ينامَ بعد تعب الأسبوع، كنتُ أفعلُ المستحيل ليتمكَّنَ من النوم. وكان لِتِلفونِهِ للإطمئنان علينا من العمل تأثيرٌ كبيرٌ في نفسي.
جوني: إذًا مع الوقت فهمت أنّ بناءَ العلاقة بيننا لا يكون سهلاً، إنّما يتطلّب تخطيطًا ومجهودًا دائمًا، وحسًّا بالمسؤوليّة لأنّ أولادَنا سيتعلّمون منّا. إذا لم نَنْجَحْ في العيش سويًّا لا يمكننا غدًا أن نلومَ أولادَنا إن فشلوا.
قال يسوع: «أحبّوا كما أنا أحببتكم».
حُبُّ يسوع هو مقياسُ مَحَبَّتِنا، محبّةٌ لا تطلُبُ بالمقابل بل تُعطي كلَّ شيء، محبّةٌ فيها نُحقّقُ ذاتنا ونرفعُ علاقتنا الزوجيّة إلى مقياس إعطاء الآخَر حياتنا. في بعض الأحيان، أن نعطيَ حياتنا ليس بالأمر السهل، بخاصّةٍ عندما تنقصُ الثقةُ بيننا بسبب سوء تفاهمٍ أو مشاجرةٍ ورفضِ الإعتذار، بحجّةٍ أنّ الشريك سَيُعيدُ الخطأ من جديد. من الضروريّ عندها أن نوقفَ كلَّ عملٍ حتّى ولو كان مهمًّا، ونعترفَ أنّ في علاقتنا خللاً ما.
على أحدكم أن «يبادِرَ بالمحبّة»
على أحدكم أن «يبادِرَ بالمحبّة» ويعتذرَ ويقول: «لِنَبْدَأْ من جديد». إبْدَأوا من جديد، أحِبّوا، حتّى يعودَ يسوع إلى وسطكم.
من المهمّ أن نعرفَ أنّ الوحدةَ هي قيمةٌ بذاتها، حتّى لو اكتشفنا أنّ القرارَ المأخوذَ بوحدةٍ مع بعضنا لم يَكُنْ صائبًا، المهمّ أنّنا استمعنا إلى بعضنا وتركنا المجال لبعضنا البعض، بغضِّ النظر عن النتيجة. نُكملُ بالمحبّة، فنُحبّ أكثر كلَّ من يعيش معنا بخاصّةٍ الشريك.
ماريـنو: عندي اختبارٌ صغير؛ زوجي جورج يعمل كثيرًا ويقضي معظم وقته في العمل. كنت أفكّر كيف سأجد الوقت لنكون معًا، كيف نتشارك أقلّه نصف ساعة في النهار؟ بدأت أستيقظ أبكر بنصف ساعة. أستيقظ مع جورج لنشرب القهوة معًا، حتّى في يوم إجازتي، ممّا خلق علاقةً رائعةً بيننا، إذ وجدنا وقتًا نتشارك فيه. وفهمنا أنّ الإنسان إن أراد وجد الوقت اللازم.
فنّ المحبّة هو أيضًا أن أحبّ الآخر كنفسي، أي أن أضع نفسي، وبمحبّة، مكانه، فأهتمّ به بطيبة خاطر وأقدّر عمله، وأستقبل بفرحٍ أهله وأصحابه. أن أُحبَّه كنفسي، يعني أن أسامحَ وأطلبَ السماح منه لأنّني أتمنّى هذه الأمور لنفسي، يعني أن أدخل أعماق روحه وأحاسيسه على الرغم من اختلافه عنّي، وكما نقول  بلغة اليوم «أتعاطف معه». حياتنا ليست جوارير وضِعَت قرب بعضها البعض، ولكن على كلّ شيء أن يكون انعكاسًا للتناغمِ الداخليّ الذي يعيشه الزوجان.نقطة الوصول:
كلُّ حدثٍ، مُفرِحًا كان أو مؤلمًا، هو عطيّةٌ من اللّه. عندما أتركُ فسحةً للآخَر وأسمحُ له بالدخول إلى زوايا روحي، أشعرُ بالطمأنينة تغمُرُ قلبي وأجدُ الفرح. الحياةُ علاقة. عندما يسودُ جوّ المحبّة المتبادلة نختبرُ وجودَ اللّه ونشعرُ في أعماق ذاتنا أنّ اللّهَ علاقة، لأنّ الطبيعةَ الحقيقيّة للزواج هي عَيْشُ حياة الثالوث، وأنّ مثالَ العائلة هو «عائلة الناصرة»، هو حياةٌ مع يسوع في الوسط.وإذا عرفنا داخل العائلة أن نعيشَ «ليكونوا بأجمعهم واحدًا» نتخطّى حدودَ بيوتنا باتّجاه العائلات الأخرى بخاصّةٍ المُهَدَّدة منها وباتّجاه الضعيف والمتروك والعجزة.
ماريان: إكتشفنا أنّه بإمكاننا أن نعيشَ أيضًا هذه المحبّة خارج عائلتنا، فاتّفقنا مع مجموعةٍ من العائلات أن نزورَ كلَّ شهرٍ بيتًا للمُسنّين في الجنوب ونعيشَ معهم فترةً من المحبّة والمشاركة، من دون أن ننتظرَ مقابلاً. ومع الوقت شعرنا أنّ من نعطيهم، هم من يعطوننا حقًّا. مُسنّونَ من كلّ الطوائف لَمَسوا محبَّتَنا حتّى قال أحدهم: أنتم تحبّون الجميع من دون استثناء. فعلاً نحن ننتظر هذا اللقاء بشوقٍ لما نلاقيه هناك من حبٍّ وفرح».
اليوم أكثر من قبل نحن بحاجةٍ لِخَلْقِ شبكةٍ من العائلات تؤمِنُ بالحبّ وبنعمة سرّ الزواج، وتُواجِه التحدّيات والصعوبات من
خلال وجود يسوع في وسطها.

إعداد ليلى نصار

صثلا-حخقفقشهف-3

Spread the love