سنة ١٩٨١ تحدّثت كيارا عن الوحدة منطلقةً من نظرةٍ أَلْقَتْها على وضع العالم في حينه. فذكرت العديد من الإنقسامات، والكثير من المعاناة وعدم المساواة الإجتماعيّة، والحروب المشتعلة آنذاك أو المتوقّعة… فقالت: «نعم، هذه هي حالُ عالمنا، لكنّني أرى أيضًا أنّ العالم يتوقُ إلى الوحدة، والوحدة علامةٌ من علامات الأزمنة».
والآن، سنة ٢٠١٥، وقد مرّت خمسٌ وثلاثون سنة على حديث كيارا، ننظرُ إلى عالمنا فنقول: لقد تغيّرت أمورٌ بالمقارنة إلى ١٩٨١، كانْهيار حائط برلين، وفتح السفارة الأميركيّة في كوبا… ولكن، ما زالت هناك أمورٌ مُروّعةٌ تَصْدُمُنا. كم من الجدران الجديدة قد ارتفعت، المادّيّة منها والإيديولوجيّة والفكريّة والعنصريّة وغيرها. ما هو الحلّ أمام هذه المعاناة؟ ما هو الحلّ للمعاناة التي يعيشها العالم؟ نبدو عاجزين أمام الوضع الذي نشهده اليوم.
في نيسان الماضي، قدّمتُ مداخلةً في الأمم المتّحدة في نيويورك، قلتُ فيها: من الضروريّ أن نرتدَّ ارتدادًا حقيقيًّا في الأفكار والأفعال، بدءًا من الخيارات السياسيّة لكلّ دولة ولكلّ حكومة. فلنقُمْ بهذا الإرتداد بشكلٍ تتحقّقُ معه الأخوّة الشاملة التي يرغب بها الجميع والتي هي الحلّ لكلّ مشاكل عالمنا.
لكنّني في الوقت نفسه، أعي أنّه علينا أن نعيشَ نحن هذا الإرتداد أوّلاً. لماذا؟ لأنّ اللّه دعانا وخَصَّنا بكاريزما مميّز، هو كاريزما الوحدة الذي بإمكانه أن يصلَ بنا إلى تحقيق هذه الأخوّة الشاملة.
سنة ١٩٤٩ كتبت كيارا تقول: «في قلبنا أمرٌ واضح: الوحدة هي ما يريده اللّهُ منّا. نحن نعيشُ حتّى نكونَ واحدًا معه وواحدًا في ما بيننا. هذه الدعوة الرائعة تربطُُنا بالسماء… وتجعلُنا نغوصُ في الأخوّة الشاملة».
الوحدة هبة، يعني أنّنا لسنا نحن الذين نحقّقها بل يسوع. تقول كيارا: «الوحدة مثال يسوع الذي جاء إلى العالم ليوحّدَ، بشخصه، البشر بالآب من جهة، والبشر في ما بينهم من جهةٍ أخرى». والكنيسة تُكمِلُ العمل الذي بدأه يسوع، بمساعدته ونعمته، وهي تفعل ذلك بخاصّةٍ من خلال هبة الإفخاريستيّا.
إنّ الأمر المميّز الذي تحمله لنا الإفخاريستيّا هو هذه العلاقة العميقة مع اللّه، وفي ما بيننا، حتّى أنّها تجعلُنا جسدًا واحدًا. ونحن نعلم أنّ هذه الوحدة هي مخطّطُ اللّه على البشريّة جمعاء. يريد اللّه أن يجعلَ من البشريّة عائلةً واحدةً تعيشُ الأخوّة الشاملة. وبالتالي، إنّه مخطّطٌ يَشْمُلُ كلَّ القارّات، وكلّ الأجناس وكلّ الأبعاد، وكلّ الأديان، وكلّ العصور. لكنّه لن يتحقّق من دوننا.
من هنا يُطِلُّ البعدُ الثاني؛ هذه الهبةُ الإلهيّةُ بحاجةٍ إلى التزامنا.
كتبت كيارا: «الوحدة هي ما يريدُهُ اللّهُ منّا. لكنّها لا تتحقّق بقوانا وحسب، بل بنعمةٍ خاصّةٍ تأتي من عند الآب، شرط أن يُلاقي فينا استعدادًا خاصًّا وضروريًّا لِتَقَبُّلِها. هذا الإستعداد هو المحبّة المتبادلة. المحبّةُ التي أوصى بها يسوع، والمُعاشة عمليًّا».
هذا هو التزامُنا:
أن نهيّءَ، من خلال المحبّة المتبادلة، الأرضيّة المناسبة لكي يتمكّنَ يسوعُ من أن يعطينا هبة الوحدة، ونَكون قادرين على تَلَقّي هذه الهبة.
يسوع «المتروك» هو المعلّم لتحقيق الوحدة. إنّ اللّهَ يطلُبُ مِنّا أن نذهبَ نحو القريب ونكونَ واحدًا معه، يطلب منّا أن نكونَ بانفتاحٍ دائمٍ مع الجميع. لا يكفي ذلك الأخ الذي بِقُرْبِنا، فهو واحدٌ من أولئك «الجميع» الذين نريد أن نتوصَّلَ إليهم. فَلْنَعِشْ دائمًا بهذا الإنفتاح، يومًا بعد يوم، ولحظةً تلو الأخرى.
كيف نكون واحدًا وكيف نُحبّ الآخرين؟ هذا الــ «كيف» نجدُهُ أكثر من مرّةٍ في الأناجيل. نَجدُهُ في وصيّة يسوع الجديدة: «أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتُكم»، نجدهُ في صلاة يسوع من أجل الوحدة: «كما أنت أيّها الآب فيّ وأنا فيك فليكونوا هم أيضًا…».
ولكن، ماذا تعني هذه الــ «كما»؟ «كما أنا أحببتكم». أحبَّنا يسوع غاية الحبّ حين انتهى على الصليب «متروكًا» من أجلنا ومحبّةً بنا.
مقياسُ المحبّة المتبادلة المطلوبة منّا هو مقياسُ محبَّتِه. محبّةٌ من دون قياس، تتطلّبُ إعطاءَ كلّ شيء، وعدم الاحتفاظ بأيّ شيء، فنكون مستعدّين لِنَبْذُلَ، لا حياتنا وحسب، بل كلَّ غِنى روحيٍّ وماديٍّ نَمْلُكُه.
«يسوع المتروك أصبح «انقسامًا لا متناهٍ كي يعطينا الوحدةَ الكاملة»، «هو المصلوب والمتروك أصلُ الوحدة ومفتاحها، وهو الذي سَيُحَقّقها اليوم أيضًا». إنّ يسوع، لحظةَ شعوره بالترك كان المعلّمَ الحقيقيَّ لتحقيق الوحدة، «الوحدة الإلهيّة».
كتبت كيارا سنة ١٩٤٩ تقول: «قبل أن نذهبَ عند الإخوة علينا أن نكون بوحدةٍ مع اللّه. يجب ألاّ نفعلَ أيّ شيء، ولا أن نبتسمَ ولا حتّى أن نرفعَ ذراعًا، إذا لم يكن يسوعُ فينا. علينا أن نفعل كلَّ شيءٍ بقدر ما يريد يسوع أن يفعلَهُ من خلالنا. فليكُنْ هو وحده، هو الــ «كلُّ شيء»، وهو دائمًا الذي يعيش فينا…
النفسُ التي تعيشُ بوحدةٍ تامّةٍ مع يسوع في داخلها هي يسوعٌ آخر. تشعر بأنّها يسوع، لأنّ حضورَهُ أصبح مُشعًّا فيها، تجده في ذاتها كلَّ مرّةٍ تريد ذلك.
لكن روحانيَّتَنا تُعلّمُنا أنّه «أن نكون واحدًا» مع يسوع، و «أن نكون واحدًا» مع الإخوة، أمران يسيران معًا. فلا يمكن أن نكونَ واحدًا مع يسوع من دون أن نكونَ واحدًا مع الإخوة، والعكسُ صحيح. واضحٌ أنّهما بُعْدان لا ينفصلان: فكلٌّ منهما يَسْتَدْعي الآخَر. «لكي يكون هو بيننا، من الضروريّ أن نكونَ هو أوّلاً». وفي الواقع، لا نكونُ يسوع بالمِلْء، طالما لا يكون هو بيننا».
الوحدة هبةٌ والتزام، لكنّها أيضا غاية، «ما يريدُهُ اللّهُ قبل كلّ شيءٍ منّا، هو أن نولّدَ في كلّ مكانٍ من العالم خلايا حيّة يعيشُ يسوعُ في وسطها، تتكاثرُ يومًا بعد يوم، وتشتعلُ كلَّ يومٍ أكثر. يريد أن نُشعلَ نيرانًا دائمًا أوسع، في العائلات، وفي المكاتب، وفي المصانع، وفي المدارس، وفي الرعايا، وفي مجالس النوّاب، وفي الأديرة… في مخيّمات اللاجئين، في طابور الأشخاص الذين ينتظرون قطعةَ خبزٍ أو عملاً لا يجدونه، في مظاهرات الساحات… في كلّ الأماكن.
«يريد ذلك كي نغذّيَ حريقَ محبّة اللّه في الكنيسة وفي الجتمع».بالتالي، إذا لم نُشعِلِ النارَ، ما الذي نفعله؟ تقول كيارا: «علينا أن نشعلَ نيرانًا ونقومَ بذلك بفرح. لماذا؟ لأنّ الوحدة هي نبعُ فرح. قال يسوع: «ليكونوا بأجمعهم واحدًا كي يؤمنَ العالم، وليَكُنْ فيهم كمالُ فرحي». علينا أن نوزّعَ هذا الفرح بملء أيادينا، أن نقومَ بإشعال النيران وننشُرَ الفرحَ لأنّنا على يقينٍ أنّنا حاملوه.
نختمُ بقول كيارا: «أشعر أنّني أعيشُ شركة القدّيسين بكاملها في مخلوقات العالم جميعها. لأنّ الأنا فيّ هو الإنسانيّة، مع كلّ البشر الذين وُجدوا وسيوجدون. أشعرُ بهذه الحقيقة وأعيشُها: لأنّني أشعر في نفسي بفرح السماء وبقلق بشريّةٍ هي «يسوعُ متروكٌ كبير»، على حدٍّ سواء. وأريدُ أن أعيشَ يسوعَ المتروك هذا كلّه».
علينا أن نعيشَ مثلها، أي أن نشعُرَ بأنّ الإنسانيّةَ جمعاء تخصُّنا. وأن نجدَ في هذه الوحدة بين السماء والأرض، كلَّ فرح السماء، وكلَّ قلق الإنسانيّة وآلامها.
بهذه الطريقة، نعيشُ ذلك الدفع الذي يُعطينا إيّاه البابا فرنسيس، تلك الرحمة التي بوسعنا أن نُظْهِرَها للجميع، لأنّنا نغمُرُ أَلَمَ الإنسانيّة بمحبّةٍ قِوامُها الرحمة.
والآن، سنة ٢٠١٥، وقد مرّت خمسٌ وثلاثون سنة على حديث كيارا، ننظرُ إلى عالمنا فنقول: لقد تغيّرت أمورٌ بالمقارنة إلى ١٩٨١، كانْهيار حائط برلين، وفتح السفارة الأميركيّة في كوبا… ولكن، ما زالت هناك أمورٌ مُروّعةٌ تَصْدُمُنا. كم من الجدران الجديدة قد ارتفعت، المادّيّة منها والإيديولوجيّة والفكريّة والعنصريّة وغيرها. ما هو الحلّ أمام هذه المعاناة؟ ما هو الحلّ للمعاناة التي يعيشها العالم؟ نبدو عاجزين أمام الوضع الذي نشهده اليوم.
في نيسان الماضي، قدّمتُ مداخلةً في الأمم المتّحدة في نيويورك، قلتُ فيها: من الضروريّ أن نرتدَّ ارتدادًا حقيقيًّا في الأفكار والأفعال، بدءًا من الخيارات السياسيّة لكلّ دولة ولكلّ حكومة. فلنقُمْ بهذا الإرتداد بشكلٍ تتحقّقُ معه الأخوّة الشاملة التي يرغب بها الجميع والتي هي الحلّ لكلّ مشاكل عالمنا.
لكنّني في الوقت نفسه، أعي أنّه علينا أن نعيشَ نحن هذا الإرتداد أوّلاً. لماذا؟ لأنّ اللّه دعانا وخَصَّنا بكاريزما مميّز، هو كاريزما الوحدة الذي بإمكانه أن يصلَ بنا إلى تحقيق هذه الأخوّة الشاملة.
سنة ١٩٤٩ كتبت كيارا تقول: «في قلبنا أمرٌ واضح: الوحدة هي ما يريده اللّهُ منّا. نحن نعيشُ حتّى نكونَ واحدًا معه وواحدًا في ما بيننا. هذه الدعوة الرائعة تربطُُنا بالسماء… وتجعلُنا نغوصُ في الأخوّة الشاملة».
الوحدة هبة، يعني أنّنا لسنا نحن الذين نحقّقها بل يسوع. تقول كيارا: «الوحدة مثال يسوع الذي جاء إلى العالم ليوحّدَ، بشخصه، البشر بالآب من جهة، والبشر في ما بينهم من جهةٍ أخرى». والكنيسة تُكمِلُ العمل الذي بدأه يسوع، بمساعدته ونعمته، وهي تفعل ذلك بخاصّةٍ من خلال هبة الإفخاريستيّا.
إنّ الأمر المميّز الذي تحمله لنا الإفخاريستيّا هو هذه العلاقة العميقة مع اللّه، وفي ما بيننا، حتّى أنّها تجعلُنا جسدًا واحدًا. ونحن نعلم أنّ هذه الوحدة هي مخطّطُ اللّه على البشريّة جمعاء. يريد اللّه أن يجعلَ من البشريّة عائلةً واحدةً تعيشُ الأخوّة الشاملة. وبالتالي، إنّه مخطّطٌ يَشْمُلُ كلَّ القارّات، وكلّ الأجناس وكلّ الأبعاد، وكلّ الأديان، وكلّ العصور. لكنّه لن يتحقّق من دوننا.
من هنا يُطِلُّ البعدُ الثاني؛ هذه الهبةُ الإلهيّةُ بحاجةٍ إلى التزامنا.
كتبت كيارا: «الوحدة هي ما يريدُهُ اللّهُ منّا. لكنّها لا تتحقّق بقوانا وحسب، بل بنعمةٍ خاصّةٍ تأتي من عند الآب، شرط أن يُلاقي فينا استعدادًا خاصًّا وضروريًّا لِتَقَبُّلِها. هذا الإستعداد هو المحبّة المتبادلة. المحبّةُ التي أوصى بها يسوع، والمُعاشة عمليًّا».
هذا هو التزامُنا:
أن نهيّءَ، من خلال المحبّة المتبادلة، الأرضيّة المناسبة لكي يتمكّنَ يسوعُ من أن يعطينا هبة الوحدة، ونَكون قادرين على تَلَقّي هذه الهبة.
يسوع «المتروك» هو المعلّم لتحقيق الوحدة. إنّ اللّهَ يطلُبُ مِنّا أن نذهبَ نحو القريب ونكونَ واحدًا معه، يطلب منّا أن نكونَ بانفتاحٍ دائمٍ مع الجميع. لا يكفي ذلك الأخ الذي بِقُرْبِنا، فهو واحدٌ من أولئك «الجميع» الذين نريد أن نتوصَّلَ إليهم. فَلْنَعِشْ دائمًا بهذا الإنفتاح، يومًا بعد يوم، ولحظةً تلو الأخرى.
كيف نكون واحدًا وكيف نُحبّ الآخرين؟ هذا الــ «كيف» نجدُهُ أكثر من مرّةٍ في الأناجيل. نَجدُهُ في وصيّة يسوع الجديدة: «أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتُكم»، نجدهُ في صلاة يسوع من أجل الوحدة: «كما أنت أيّها الآب فيّ وأنا فيك فليكونوا هم أيضًا…».
ولكن، ماذا تعني هذه الــ «كما»؟ «كما أنا أحببتكم». أحبَّنا يسوع غاية الحبّ حين انتهى على الصليب «متروكًا» من أجلنا ومحبّةً بنا.
مقياسُ المحبّة المتبادلة المطلوبة منّا هو مقياسُ محبَّتِه. محبّةٌ من دون قياس، تتطلّبُ إعطاءَ كلّ شيء، وعدم الاحتفاظ بأيّ شيء، فنكون مستعدّين لِنَبْذُلَ، لا حياتنا وحسب، بل كلَّ غِنى روحيٍّ وماديٍّ نَمْلُكُه.
«يسوع المتروك أصبح «انقسامًا لا متناهٍ كي يعطينا الوحدةَ الكاملة»، «هو المصلوب والمتروك أصلُ الوحدة ومفتاحها، وهو الذي سَيُحَقّقها اليوم أيضًا». إنّ يسوع، لحظةَ شعوره بالترك كان المعلّمَ الحقيقيَّ لتحقيق الوحدة، «الوحدة الإلهيّة».
كتبت كيارا سنة ١٩٤٩ تقول: «قبل أن نذهبَ عند الإخوة علينا أن نكون بوحدةٍ مع اللّه. يجب ألاّ نفعلَ أيّ شيء، ولا أن نبتسمَ ولا حتّى أن نرفعَ ذراعًا، إذا لم يكن يسوعُ فينا. علينا أن نفعل كلَّ شيءٍ بقدر ما يريد يسوع أن يفعلَهُ من خلالنا. فليكُنْ هو وحده، هو الــ «كلُّ شيء»، وهو دائمًا الذي يعيش فينا…
النفسُ التي تعيشُ بوحدةٍ تامّةٍ مع يسوع في داخلها هي يسوعٌ آخر. تشعر بأنّها يسوع، لأنّ حضورَهُ أصبح مُشعًّا فيها، تجده في ذاتها كلَّ مرّةٍ تريد ذلك.
لكن روحانيَّتَنا تُعلّمُنا أنّه «أن نكون واحدًا» مع يسوع، و «أن نكون واحدًا» مع الإخوة، أمران يسيران معًا. فلا يمكن أن نكونَ واحدًا مع يسوع من دون أن نكونَ واحدًا مع الإخوة، والعكسُ صحيح. واضحٌ أنّهما بُعْدان لا ينفصلان: فكلٌّ منهما يَسْتَدْعي الآخَر. «لكي يكون هو بيننا، من الضروريّ أن نكونَ هو أوّلاً». وفي الواقع، لا نكونُ يسوع بالمِلْء، طالما لا يكون هو بيننا».
الوحدة هبةٌ والتزام، لكنّها أيضا غاية، «ما يريدُهُ اللّهُ قبل كلّ شيءٍ منّا، هو أن نولّدَ في كلّ مكانٍ من العالم خلايا حيّة يعيشُ يسوعُ في وسطها، تتكاثرُ يومًا بعد يوم، وتشتعلُ كلَّ يومٍ أكثر. يريد أن نُشعلَ نيرانًا دائمًا أوسع، في العائلات، وفي المكاتب، وفي المصانع، وفي المدارس، وفي الرعايا، وفي مجالس النوّاب، وفي الأديرة… في مخيّمات اللاجئين، في طابور الأشخاص الذين ينتظرون قطعةَ خبزٍ أو عملاً لا يجدونه، في مظاهرات الساحات… في كلّ الأماكن.
«يريد ذلك كي نغذّيَ حريقَ محبّة اللّه في الكنيسة وفي الجتمع».بالتالي، إذا لم نُشعِلِ النارَ، ما الذي نفعله؟ تقول كيارا: «علينا أن نشعلَ نيرانًا ونقومَ بذلك بفرح. لماذا؟ لأنّ الوحدة هي نبعُ فرح. قال يسوع: «ليكونوا بأجمعهم واحدًا كي يؤمنَ العالم، وليَكُنْ فيهم كمالُ فرحي». علينا أن نوزّعَ هذا الفرح بملء أيادينا، أن نقومَ بإشعال النيران وننشُرَ الفرحَ لأنّنا على يقينٍ أنّنا حاملوه.
نختمُ بقول كيارا: «أشعر أنّني أعيشُ شركة القدّيسين بكاملها في مخلوقات العالم جميعها. لأنّ الأنا فيّ هو الإنسانيّة، مع كلّ البشر الذين وُجدوا وسيوجدون. أشعرُ بهذه الحقيقة وأعيشُها: لأنّني أشعر في نفسي بفرح السماء وبقلق بشريّةٍ هي «يسوعُ متروكٌ كبير»، على حدٍّ سواء. وأريدُ أن أعيشَ يسوعَ المتروك هذا كلّه».
علينا أن نعيشَ مثلها، أي أن نشعُرَ بأنّ الإنسانيّةَ جمعاء تخصُّنا. وأن نجدَ في هذه الوحدة بين السماء والأرض، كلَّ فرح السماء، وكلَّ قلق الإنسانيّة وآلامها.
بهذه الطريقة، نعيشُ ذلك الدفع الذي يُعطينا إيّاه البابا فرنسيس، تلك الرحمة التي بوسعنا أن نُظْهِرَها للجميع، لأنّنا نغمُرُ أَلَمَ الإنسانيّة بمحبّةٍ قِوامُها الرحمة.
ماريا فوتشه