نوردُ بعض النصوص من أحاديثٍ لكيارا لوبيك حول النقطة الأساسيّة التي تُلخّص روحانيّتها.
منذ نَشْأة عمل مريم، إعتَبَرَت كيارا “الوحدة” ثمرةً لِفِعْلِ “التخلّي” الذي اخْتَبَرَهُ يسوع على الصليب، هو الذي أخذ على عاتقه كلَّ ألمٍ مُمْكِن أن يختبرَهُ الإنسان، لِيُحَوّلَهُ إلى فِعْلِ اتّحادٍ مع الله ومع الإخوة.
الوحدة، كلمةٌ إلهيّة
كم من الأمور ستتغيّرُ في العالم، لو تكلَّمَ اللهُ داعيًا البشر إلى الوحدة ووجد لكلامِهِ تجاوُبًا في القلوب!
سنرى الناس يُغيّرون وجهة سَيْرِهِم ويعودون أدراجهم، تمامًا كما نرى في آلة عرضٍ سينمائيّة تسترجعُ الصوَرَ بالإتّجاه المعاكس من الأمام إلى الوراء. سنرى الدنيا تقف لحظة، تعود إلى الوراء، والناس يَلْتَفِتون نحو الله… سَتَسْتَعيدُ عائلاتٌ مَزَّقَها الحقدُ والطلاقُ وعدم التفاهم، وِحْدَتَهَا. سيولَدُ الأطفالُ في جوٍّ من المحبّة البشريّة الإلهيّة يجعلُ منهم أولادًا مُؤهّلين لحياةٍ مسيحيّةٍ غنيّة.
ويتبدّلُ وجهُ المعامل، لِيَسودَ مناخٌ يُحبُّ الناسُ فيه بعضهم بعضًا ويتلاقون كالأصدقاء والإخوة، ويحلُّ هذا الجوّ محلَّ الضجر وعبوديّة العمل، ويقوم كلُّ واحدٍ بعمله من أجل خير الجميع.
وفي المجالس النيابيّة، حيث يكثر الجدلُ العقيم، سيتولّى المسؤوليّات العليا أناسٌ يعملون للخير العام من دون أن يتخلّوا عن خطّهم السياسيّ، ويسعون حتّى لا يرتَكِبَ أفرادٌ أو جماعاتٌ خيانةً ضدّ مبادئ الأخلاق الأساسيّة.
ببسيط العبارة، سيرى الناس العالم ينقلبُ رأسًا على عقب، ويجتاحُ الأرضَ شعاعٌ من السماء، ويشكّل التناغُمُ إطارًا لوفاق القلوب.
سنرى… إنّه حُلُمٌ! يبدو حُلُمًا ! لكنّك يا إلهي لم تطلبْ أقلّ من ذلك عندما صلّيت: “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”.
من كتابات كيارا لوبيك سنة ١۹٦١
عندما نُسألُ كيف نُعرّفُ عن روحانيّتِنا وما الفرق بين تلك الهبة التي منحنا إيّاها الله والمواهب التي أغنى بها الكنيسة وجَمَّلَها على مدى العصور، نُجيبُ من دون تردُّدٍ بكلمةٍ واحدة، “الوحدة”.
الوحدة هي دعوتنا الخاصّة. الوحدة هي ما يُميّز روحانيّة عمل مريم. وهناك طرقٌ أخرى إلهيّةٌ رائعة، تقودُ إلى الله. “فالفقر” مثلاً يُلخَّص، ولو بشكلٍ غير كامل، الروحانيّة الفرنسيسكانيّة، و”الطاعة” تلخّص الروحانيّة اليسوعيّة، والصلاة روحانيّة القدّيسة تريزيا الكبيرة.
الوحدة إذًا هي الكلمةُ التي تُلخّصُ روحانيّتَنا .
وبالنسبة إلينا، بشكلٍ خاصّ، ولكن أيضًا بالنسبة إلى الجميع، تتلاقى في الوحدة كلُّ الطرق الروحيّة، كما تتلاقى في النهر كلُّ روافِدِه.
كيارا ١۵ تشرين الأول ١۹۸١
الوحدة، تكلّف تضحيات، تكلّف موت “الأنا” الذي فينا. من يريد الوحدة يحب يسوع المصلوب ويجعله مثالاً لحياته. يضع نفسه على الصليب، متخليًّا عمّا لديه وعن ذاته ليكون كما يسوع المصلوب، يسوعًا مصلوبًا آخر. هذا ما يتوق إليه أعضاء عمل مريم. لا وحدة من دون حب، لأنَّ الحب تضحية، الحب هو يسوع المصلوب: “أحبّوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم”.
كيارا لوبيك