كيف يمكن أن تتصالحَ الحرّيّة الفرديّة مع الشعور بالإنتماء إلى واقعٍ إجتماعيّ؟
لقد أظهر لنا التاريخ كميّة المخاطر الناجمة عن السعي وراء الحريّة الفرديّة وما ينتج عن ذلك من انحرافٍ في غور أنانيّةٍ يُمكنها أن تسبّبَ أيضًا انحرافاتٍ جماعيّة. وخيرُ دليلٍ على ذلك أنّنا نستمرّ في تأجيج الحروب من أجل المصلحة الخاصّة والمجد الباطل.
ومع الأسف، نعتقد بأنّ اختبارَ الحرّيّة بأقصى مفاهيهمها يكمن في تحقيق الرغبات والنزوات الفرديّة والمجتمعيّة، في حين أنّ الحقيقة هي عكس ذلك تمامًا. فالشعور بال”وحدة” أو ال”عزلة السلبيّة”، وغياب العلاقات الحقيقيّة والعميقة والمستقرّة، واللامبالاة التشاركيّة في الشؤون العامّة من أجل الصالح العام، كلّها عوامل تظهر أعراضًا وخيمة، لكنّ صخب الحياة وتيّار سرعتها الجنونيّة أعمَتْ بصائرَنا عنها.
إنّ المشاركة في معاناة الآخرين، والسعي للمساواة، تحديّاتٌ يعلو نداؤها في حياتنا الشخصيّة والمدنيّة اليوميّة. علينا خوضُ هذه التجربة بالقيام بخياراتٍ حسيّة في سبيل خير مجتمعنا. نحن مسؤولون وفي الخطّوط الأماميّة.
هذه ليست مسألة “فعل خير” سطحيّ، نقوم به ونحن على عجلةٍ من أمرنا، بل هي إدراكٌ ووعيٌ للحظات حياتيّة يمكننا أن نتعلّم فيها كيف نضع أنفسنا مكان الآخرين، بخاصّةٍ أولئك الذين هم أضعف منّا، فنصبح أكثر مرونةٍ وفعاليّةٍ وإنتاج. هذا يعني بعباراتٍ بسيطة احترامُ الإختلافات لتوحيد الجسم الإجتماعيّ والنظر في وجه الآخر بتعاطفٍ وليس بعدم ثقةٍ وارتياب، ويعني أيضًا انفتاحٌ في حوارٍ صادقٍ من دون انغلاق مسبق، واهتمامٌ بالعلاقات بين الأشخاص، لتكوين صداقاتٍ دائمةٍ تحيك نسيجًا مجتمعيًّا سليمًا.
فالدواء يؤخذ بجرعات يوميّة مستمرّة لإستعادة العافية والنشاط والتخلّص من الداء. ولكن هناك حاجةٌ إلى المزيد في عمليّة إعادة التأهيل لأنّه من الضروريّ جعل الدواء يعمل لا على الأعراض وكيفيّة التخلّص منها حسب، بل على تعافي الشخص المريض ومرافقة عائلته وسلامة البيئة الإجتماعيّة التي يعيش فيها.
ريما السيقلي