“الله محبّة”
خلال الحرب الأخيرة، إشتدّ القصف على جنوب لبنان والضاحية الجنوبيّة لبيروت، فنزح السكّان إلى مناطق أكثر أمانًا، وأتى عددٌ لا بأس به من أصدقاء الفوكولاري إلى المركز الخاصّ بالمجموعة والموجود في منطقة جبليّة آمنة.
بيتي قريبٌ من المركز، لكنّي تردّدت كثيرًا قبل أن أذهب لملاقاتهم لأنّهم من طائفةٍ أخرى، ولم تسنح لي الفرصة طوال حياتي أن ألتقيَ بأشخاصٍ من ديانةٍ مختلفة. لذا كان عندي أحكامٌ مسبقةٌ تجاههم. كنت خائفة من الإختلاف بيننا رغم إيماني بالأخوّة الشاملة وإمكانيّة بناء عالم متّحد. ما شجّعني هي قناعتي بأنّني لا يمكن أن أبقى مكتوفةَ الأيدي أمام صرخة أخٍ يتألّم. ذهبتُ إذًا لزيارتهم والإطمئنان عن حالهم.
لا أذكر كيف بدأَتْ تنمو العلاقة بيننا، لكن أعرف أنّه في كلّ مرّةٍ كنتُ ألتقيهم، كانت العلاقة تتعمّق بيننا أكثر فأكثر! كنت أعتقد أنّني أقصدهم لأحبّهم لكن كانوا هم يبادرون بمحبّتي! تشاركنا اختباراتنا وتكلّمنا عن إيماننا بالله الواحد والنقاط المشتركة بيننا، مثل الصلوات والدعاءات ومعانيها، وأيقنّا أنّ ما يجمعنا هي تلك المحبّة النابعة من الله ومن كوننا إخوةً وأخوات.
عندما أُعلن وقفُ إطلاق النار، عاد النازحون إلى ديارهم ليجدوا الخراب الذي لحق ببيوتهم، وكان قد أصاب صاروخٌ بيتَ إحدى صديقاتي الجدد، وكانت طبقةٌ كثيفةٌ من الغبار تغطّي كلّ شيء، فما كان منها إلّا أن رسمَتْ بإصبعها عل غبار شاشة الكمبيوتر: “الله محبّة” وأرسلَتْ لي الصورة. تأثّرتُ جدًّا وأدركتُ أنّها حملَتْ معها المحبّة التي جمعتنا.
ها أنا اليوم لديّ قناعةٌ تقول إنّنا سنكبر معًا في هذه المحبّة وأنّ كلّ واحدةٍ ستحافظ على اختلافها وهويّتها لأنّ هذا الإختلاف يجمعنا ولا يفرّقنا.
يمنى – لبنان
Spread the love