الكلّ يبحث عنها
في جميع مراحل الحياة يبحث الإنسان عن صديقٍ يكون وفيًّا ودعمًا أساسيًّا في حياته. هل الصداقة كتفٌ نذرف دمعًا عليه، أم قلبٌ كبيرٌ يحضن أفراحنا وأوجاعنا، أم قيلولةٌ من الراحة والسكينة؟ كلّ ذلك معقول، لكنّ الصديقَ الحقيقيّ يملكُ صفاتٍ محدّدة، فما هي؟
في الواقع، إنّ الصديقَ الحقيقيّ يساعدنا في تنمية احترامنا لذاتنا وثقتنا في العالم الخارجيّ. إنّه يُشجّعُنا ويَدعمُنا في خيارات الحياة، وعادةً يكون مباشرًا وواضحًا في نصائحه وأفكاره، يقدّمها لنا بدون لفٍّ أو دوران، ودون تلكّؤ. إنّ الصديقَ يشاركنا بآرائه وإنْ كانت مضادّةً لقناعاتنا، وليس هذا فحسب، بل يحذّرنا إن لاحظ أنّنا نرتكبُ أخطاءً ما، أو نَهُمُّ بارتكابها. فالصداقة الحقيقيّة ليست صداقةً لا نتشاجر فيها البتّة، بل غالبًا ما تكون هذه المشاجرات أو الإختلافات في وجهات النظر، أوقاتًا تصبح فيها المواجهة بنّاءةً وهادفة. والمهمّ في ذلك تنميةُ العلاقة دون الحاجة لإلغاء الآخر في صراعٍ على السلطة، أي من يتفوّقُ على من، بل الإنعتاق من التبعيّة والحفاظ الدائم على احترامٍ عميقٍ الواحد تجاه الآخر. وهناك خاصِّيةٌ أساسيّةٌ بالصداقة، وهي المعاملة بالمِثْل والتبادليّة. في الصداقة يدخل الإنسان في علاقةٍ مع الآخر، يقدّمُ إصغاءه، كما يقدّم العون والمساعدة، ليست تلك المساعدة التي تقوم على الإنصاف العقيم (أي أعطيكَ بالقدر الذي تعطيني إيّاه)، ولكنّها تلك التي تمنحُ كلا الطرفَيْن تواصلاً عميقًا وأصيلاً، وتبادلاً يغذّي العلاقة أكثر فأكثر.
تُظهر العديدُ من الدراسات بأنّ وجودَ الأصدقاء مفيدٌ للمزاج ولحُسنِ إدارة التوتّر بشكلٍ أفضل، قد يكون توتّرًا ناجمًا عن المواقف العائليّة المعقّدة، أو الصعوبات الصحيّة أو المشاكل في العمل. إنّ شبكة الأصدقاء هي دعمٌ ومبعثُ طمأنينةٍ مهما كنّا نُعاني من انزعاجاتٍ وتحدّيات. فنحن نشعر بأنّ أصدقاءنا يفهموننا، ومعهم نتمكّن من الشعور بالإسترخاء، وفي كثيرٍ من الأحيان نخصِّصُهم بأفضل ما لدينا من ثقةٍ ومودّةٍ وإخلاص. قد يشعرُ الشخصُ بأنّه فريدٌ ومحبوبٌ ومميّزٌ بسبب صديقه، حتّى بالنسبة لكبار السنّ تكون الصداقة مصدرًا مهمًّا للسعادة والرفاهية النفسيّة والجسديّة. في بعض الأحيان، ومع مرور الوقت، يمكن أن تتغيّر علاقاتُ الصداقة، فهي تتأثّر بالتطوّر، بتطوّر الفرد، ولكنّها تظلُّ نقطةً ثابتةً في أيِّ فئةٍ عُمرِيّة. يجبُ أن يُؤخذ في الإعتبار أنّ الصداقة هي أيضًا مفهومٌ شخصيٌّ للغاية، ولكنّ الشيء المهمّ هو فهمُ ماهيّة الصداقة لكلّ واحدٍ منّا، ليكونَ قادرًا على إقامة علاقة صداقةٍ بطريقةٍ مناسبةٍ ومَرْضِيّة. نختار بوَعْيٍ إقامةَ علاقات صداقةٍ مع الآخرين، وبذلك نهدفُ إلى اتّخاذ خياراتٍ حكيمة، وقبول الفرص التي تُوفّرُها كلُّ صداقة، لتطوير وتنمية علاقاتٍ محترمة، نستمعُ فيها لبعضنا البعض، ونتشاور، وندعم كلُّ واحدٍ الآخَر فنَغْتَنِيَ من صداقتنا هذه.
ولكن، ما أجمل أن نُهديَ كلَّ إنسانٍ نلتقي به قطراتِ صداقة، وأن يكونَ من يمرُّ بجانبنا خلال يومِنا مؤهّلاً من قِبَلِنا للحصول على رمقاتِ مودّةٍ طيّبة.
تقول أماني: “تعرّفتُ إلى سيّدةٍ تعمل ببَيْع الخضروات بجوار منزلي. كنت أراها دائمًا متعبةً من العمل في الشارع، فأدعوها للدخول إلى البيت حتّى لو كان عندي ضيوف، وأقدّمُ لها كوبَ ماءٍ أو كوب شاي، فنتجاذب أطرافَ الحديث، وتشاركُني بمشاكلها، وحتّى في بعض الأحيان تقومُ بمساعدتي في تنظيف الخضار وتسأل عنّي فى حال غِبْتُ عنها لفترة. نَمَتْ بيننا صداقةٌ حقيقيّةٌ بالرغم من اعتراض المُقرَّبين على استقبالي لها، حيث إنّنا مختلفون تمامًا فى كلّ شيء، ولكنّي أؤمن بأنّ حتّى الاشخاص البسطاء، نستطيع أن نبنيَ معهم علاقة محبّةٍ وصداقةٍ بدون تكلفة، من القلب للقلب. لايهمّني مظهرُها الخارجيّ، فليس بشرطٍ أن نحبَّ شخصًا يكون من لونِنا وعرقِنا ودينِنا وشبهًا لنا في شكلِنا. في كلّ قريبٍ نجدُ الإنسانيّة أو الطيبة أو الإتّضاع، فنعرف كيف نبادلُهُ محبَّتَه.يخبرُ أحدهم: “كنت أفكّر بيوسف كثيرًا. كم يشبه وضعُهُ ما قد قرأت في غضون هذه الأيّام. لقد تَحدّثَتِ الصحفُ عن مشرّدٍ عُثِرَ عليه ميتًا على مقعدٍ في محطّة المدينة. كان يتجوّل من محطّةٍ إلى أخرى مع حزمةٍ من أشيائه الفقيرة تحت ذراعه. كان الكلُّ يتجنّبُه ويمرُّ به غيرَ آبه، فهو قبيحٌ ورائحةٌ كريهةٌ تصدرُ عنه. ولكن، يا ترى، كم عانى هذا الإنسان في حياته؟ سؤالٌ يبقى بلا إجابة. وكم من البشر هم مِثلُه، يعيشون في عزلة، “نفوسٌ ضائعة”، وأشباحٌ غيرُ مرئيّة! والحبُّ وحده يسمح لنا أن نراها. هكذا حالُ يوسف. جعلني تفكيري به أتذكّرُ عبارةً لكيارا لوبيك:” لا تَدَعْ نفسًا تلامِسُ روحك عبثًا”. لم تَقُلْ لا تدع “شخصًا “أو “عقلاً” أو”قلبًا”، إنّما “لا تدع نفسًا”. نفسُ الشخص هي الجزءُ الأكثرُ حميميّةً وخِفيَة، ولا يُمكن إلاّ للحبّ أو الخير الوصول إليها لتَفهُّمِها وإغاثَتِها ولو بالقليل، وليس للحكم عليها وإدانتها. صلّيتُ إلى الله بحرارةٍ لمساعدة يوسف حتّى يشعر بعزلةٍ أقلّ، وتضرّعت إليه حتّى تخفّ معاناته، وطلبتُ منه العون حتّى أعرف كيف أساعد يوسف. بدأتُ بالصلاة لصديقي الجديد… نعم، إنّ نفسه هذه المرّة لم تلمسني عبثًا!
في الواقع، إنّ الصديقَ الحقيقيّ يساعدنا في تنمية احترامنا لذاتنا وثقتنا في العالم الخارجيّ. إنّه يُشجّعُنا ويَدعمُنا في خيارات الحياة، وعادةً يكون مباشرًا وواضحًا في نصائحه وأفكاره، يقدّمها لنا بدون لفٍّ أو دوران، ودون تلكّؤ. إنّ الصديقَ يشاركنا بآرائه وإنْ كانت مضادّةً لقناعاتنا، وليس هذا فحسب، بل يحذّرنا إن لاحظ أنّنا نرتكبُ أخطاءً ما، أو نَهُمُّ بارتكابها. فالصداقة الحقيقيّة ليست صداقةً لا نتشاجر فيها البتّة، بل غالبًا ما تكون هذه المشاجرات أو الإختلافات في وجهات النظر، أوقاتًا تصبح فيها المواجهة بنّاءةً وهادفة. والمهمّ في ذلك تنميةُ العلاقة دون الحاجة لإلغاء الآخر في صراعٍ على السلطة، أي من يتفوّقُ على من، بل الإنعتاق من التبعيّة والحفاظ الدائم على احترامٍ عميقٍ الواحد تجاه الآخر. وهناك خاصِّيةٌ أساسيّةٌ بالصداقة، وهي المعاملة بالمِثْل والتبادليّة. في الصداقة يدخل الإنسان في علاقةٍ مع الآخر، يقدّمُ إصغاءه، كما يقدّم العون والمساعدة، ليست تلك المساعدة التي تقوم على الإنصاف العقيم (أي أعطيكَ بالقدر الذي تعطيني إيّاه)، ولكنّها تلك التي تمنحُ كلا الطرفَيْن تواصلاً عميقًا وأصيلاً، وتبادلاً يغذّي العلاقة أكثر فأكثر.
تُظهر العديدُ من الدراسات بأنّ وجودَ الأصدقاء مفيدٌ للمزاج ولحُسنِ إدارة التوتّر بشكلٍ أفضل، قد يكون توتّرًا ناجمًا عن المواقف العائليّة المعقّدة، أو الصعوبات الصحيّة أو المشاكل في العمل. إنّ شبكة الأصدقاء هي دعمٌ ومبعثُ طمأنينةٍ مهما كنّا نُعاني من انزعاجاتٍ وتحدّيات. فنحن نشعر بأنّ أصدقاءنا يفهموننا، ومعهم نتمكّن من الشعور بالإسترخاء، وفي كثيرٍ من الأحيان نخصِّصُهم بأفضل ما لدينا من ثقةٍ ومودّةٍ وإخلاص. قد يشعرُ الشخصُ بأنّه فريدٌ ومحبوبٌ ومميّزٌ بسبب صديقه، حتّى بالنسبة لكبار السنّ تكون الصداقة مصدرًا مهمًّا للسعادة والرفاهية النفسيّة والجسديّة. في بعض الأحيان، ومع مرور الوقت، يمكن أن تتغيّر علاقاتُ الصداقة، فهي تتأثّر بالتطوّر، بتطوّر الفرد، ولكنّها تظلُّ نقطةً ثابتةً في أيِّ فئةٍ عُمرِيّة. يجبُ أن يُؤخذ في الإعتبار أنّ الصداقة هي أيضًا مفهومٌ شخصيٌّ للغاية، ولكنّ الشيء المهمّ هو فهمُ ماهيّة الصداقة لكلّ واحدٍ منّا، ليكونَ قادرًا على إقامة علاقة صداقةٍ بطريقةٍ مناسبةٍ ومَرْضِيّة. نختار بوَعْيٍ إقامةَ علاقات صداقةٍ مع الآخرين، وبذلك نهدفُ إلى اتّخاذ خياراتٍ حكيمة، وقبول الفرص التي تُوفّرُها كلُّ صداقة، لتطوير وتنمية علاقاتٍ محترمة، نستمعُ فيها لبعضنا البعض، ونتشاور، وندعم كلُّ واحدٍ الآخَر فنَغْتَنِيَ من صداقتنا هذه.
ولكن، ما أجمل أن نُهديَ كلَّ إنسانٍ نلتقي به قطراتِ صداقة، وأن يكونَ من يمرُّ بجانبنا خلال يومِنا مؤهّلاً من قِبَلِنا للحصول على رمقاتِ مودّةٍ طيّبة.
تقول أماني: “تعرّفتُ إلى سيّدةٍ تعمل ببَيْع الخضروات بجوار منزلي. كنت أراها دائمًا متعبةً من العمل في الشارع، فأدعوها للدخول إلى البيت حتّى لو كان عندي ضيوف، وأقدّمُ لها كوبَ ماءٍ أو كوب شاي، فنتجاذب أطرافَ الحديث، وتشاركُني بمشاكلها، وحتّى في بعض الأحيان تقومُ بمساعدتي في تنظيف الخضار وتسأل عنّي فى حال غِبْتُ عنها لفترة. نَمَتْ بيننا صداقةٌ حقيقيّةٌ بالرغم من اعتراض المُقرَّبين على استقبالي لها، حيث إنّنا مختلفون تمامًا فى كلّ شيء، ولكنّي أؤمن بأنّ حتّى الاشخاص البسطاء، نستطيع أن نبنيَ معهم علاقة محبّةٍ وصداقةٍ بدون تكلفة، من القلب للقلب. لايهمّني مظهرُها الخارجيّ، فليس بشرطٍ أن نحبَّ شخصًا يكون من لونِنا وعرقِنا ودينِنا وشبهًا لنا في شكلِنا. في كلّ قريبٍ نجدُ الإنسانيّة أو الطيبة أو الإتّضاع، فنعرف كيف نبادلُهُ محبَّتَه.يخبرُ أحدهم: “كنت أفكّر بيوسف كثيرًا. كم يشبه وضعُهُ ما قد قرأت في غضون هذه الأيّام. لقد تَحدّثَتِ الصحفُ عن مشرّدٍ عُثِرَ عليه ميتًا على مقعدٍ في محطّة المدينة. كان يتجوّل من محطّةٍ إلى أخرى مع حزمةٍ من أشيائه الفقيرة تحت ذراعه. كان الكلُّ يتجنّبُه ويمرُّ به غيرَ آبه، فهو قبيحٌ ورائحةٌ كريهةٌ تصدرُ عنه. ولكن، يا ترى، كم عانى هذا الإنسان في حياته؟ سؤالٌ يبقى بلا إجابة. وكم من البشر هم مِثلُه، يعيشون في عزلة، “نفوسٌ ضائعة”، وأشباحٌ غيرُ مرئيّة! والحبُّ وحده يسمح لنا أن نراها. هكذا حالُ يوسف. جعلني تفكيري به أتذكّرُ عبارةً لكيارا لوبيك:” لا تَدَعْ نفسًا تلامِسُ روحك عبثًا”. لم تَقُلْ لا تدع “شخصًا “أو “عقلاً” أو”قلبًا”، إنّما “لا تدع نفسًا”. نفسُ الشخص هي الجزءُ الأكثرُ حميميّةً وخِفيَة، ولا يُمكن إلاّ للحبّ أو الخير الوصول إليها لتَفهُّمِها وإغاثَتِها ولو بالقليل، وليس للحكم عليها وإدانتها. صلّيتُ إلى الله بحرارةٍ لمساعدة يوسف حتّى يشعر بعزلةٍ أقلّ، وتضرّعت إليه حتّى تخفّ معاناته، وطلبتُ منه العون حتّى أعرف كيف أساعد يوسف. بدأتُ بالصلاة لصديقي الجديد… نعم، إنّ نفسه هذه المرّة لم تلمسني عبثًا!
ريما السيقلي