يمكننا جميعًا بذل جهد للعثور على الجانب الطريف في مسار حياتنا، ويمكننا أن نشارك من يحسنون ذلك. لنبحث مثلاً عمّن يجيدون رسم الكاريكاتير، فهم يرسمون الإبتسامة على محيّانا، والإبتسامة معدية.في الواقع، الكاريكاتير هو أحد أشكال الرسوم الهزليّة التي واكبت تاريخ الفنّ. الفنّان الكاريكاتيريّ هو “مخترع” وصاحبُ موهبةٍ كبيرة وأهدافٍ يقولها في رسومه. إنّ الكاريكاتير هو فنٌّ تصوريّ، يميل إلى “المبالغة” في “تحميل” خصائص معيّنة، وهو جريءٌ في تناول المشاكل الإجتماعيّة والقضايا السياسيّة، ولكنّه يعطي أيضًا قيمًا وحلولاً مُعتمِدًا إبراز الجانب الجماليّ عبر الملاحظة البصريّة. فالغرض ليس للتسلية وحسب. ولقد ثبِّت بأنّنا نحفظ صورة كاريكاتوريّة بسرعة أكبر من أيّ رسم خطيّ مهما كان دقيقًا، هذا لأنّنا نميل إلى حفظ التفاصيل التي يتمّ إبرازها في الكاريكاتير أكثر بكثير من الصورة الواقعيّة.
وما أجمل هذا الفنّ حين يكون ضمن معرضٍ يودّ أن يخلّد ذكرى شخصيّةٍ عظيمة. هذا ما حصل في شهر سبتمبر الحاليّ ولأيّامٍ متتالية، في الذكرى الخامسة عشر لرحيل أديب مصر الكبير “نجيب محفوظ”. ففي متحفه في منطقة الأزهر تمّ افتتاح معرض “نجيب محفوظ بعيون الكاريكاتير” برعاية وزارة الثقافة والجمعيّة المصريّة للكاريكاتير، وباشتراك عددٍ كبيرٍ من فنّاني العالم وحضور الدكتور “فتحي عبد الوهاب” رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافيّة، والسيّدة “أنّا ميلينا مونيوس” سفيرة كولومبيا بالقاهرة، وعددٍ من المستشارين الثقافيّين لدُوَل أمريكا اللاتينيّة والكاتب الكبير “يوسف القعيد” ونخبة من فنانّي الجمعيّة المصريّة للكاريكاتير…
وفي ردٍّ على سؤالٍ حول الفنّ الكاريكاتوريّ ودوره في إحياء ذكرى الأديب نجيب محفوظ، وحول الإمتيازات والخصائص التي يحملها هذا ٍالفنّ لتجعله يُحيي ذكرى أديبٍ عظيم، أجاب منسّق المعرض، الأستاذ فوزي مرسي، موضحًا: “إنّ الكاريكاتير هو لسان حال الناس ومن أَحَبِّ الفنون على قلوبهم، ومن السهل جدًّا أن يصلهم. إنّ الإحتفال بالأديب العالميّ نجيب محفوظ تمّ دائمًا من خلال ندوات أو عرض أفلامٍ حول شخصه وأعماله، لكنّنا اليوم اتّخذنا خطوةً جديدةً في هذا الصدد، فقرّرنا من خلال فنّ الكاركاتير أن نُحييَ ذكراه. وقد بدأنا هذه المسيرة منذ شهر ديسمبر الماضي حيث قمنا في متحف محمود مختار بإعداد معرضٍ ضخمٍ تحت عنوان “محفوظ يلتقي ماركيز”، نظّمناه مع قطاع الفنون التشكيليّة ومع قطاع العلاقات الثقافات الخارجيّة. ويجدر بالذكر هنا أنّ إحدى أمنيات الأديب الكبير نجيب محفوظ كانت بأن يلتقيَ الروائيّ الكولومبيّ غابريال غارسيا ماركيز الذي كان قد حاز بدوره على جائزة نوبل. لكنّ محفوظ وماركيز لم يلتقيا، بل تبادلا فقط الخطابات. لذا حاولنا تجسيد “هذا اللقاء” وتصويره عبر فنّ الكاريكاتير من خلال لوحات الفنّانين المصريّين.
أتى المعرض الحاليّ غنيًا بالمعرض الأوّل مع إضافة لوحاتٍ جديدة، فضمّ ٤٠ لوحةٍ كاريكاتوريّة من مختلف دول العالم، كالبرتغال وكوبا وأندونيسيا والبيرو وإيطاليا والبحرين وكولومبيا والصين والبرازيل وأوقرانيا وغيرهم… ولكلٍّ منهم أسلوبه الخاصّ وطريقته الفريدة برسم نجيب محفوظ بعد قراءة كتاباته والقيام بأبحاث حول شخصه وحياته. شارك الفنّانون المصريّون بلوحاتٍ زيّنت المعرض بجمالها وحرفة تقنيّتها. نذكُر على سبيل المثال فاروق موسى وهو الذي رسم “محفوظ وماركيز” على شكل طابعٍ بريديّ كذكرى للقاءٍ كان يجب أن يتمَّ بينهما، ونذكر أدهم لطفي، عبد الجواد، خالد المرصفي، نورا مكرم، خالد صلاح ، عمر صدّيق وغاده مصطفى وغيرهم… لقد أحْيَيْنا معًا ذكرى نجيب محفوظ بطريقةٍ إبتكاريّة، حقّقت نجاحًا كبيرًا”.
وكيف لا وهم أصحاب الأنامل الذهبيّة والموهبة الخلاّقة التي ترسم بطريقةٍ غير مألوفة، وتقدّم فنًّا تثقيفيًّا تبرز فيه وجهًا روائيًّا عظيمًا إتّسم بالصفات المصريّة ومنها روح الفكاهة والنكتة.
ريما السيقلي
.