القيادة الأنثويّة

لم يَعُد القائد شخصًا يفرض أوامرَه من فوق. عليه بالمبدأ أن يتحلّى بصفاتٍ جمّة، عليه مثلاً أن يقدّرَ جهود العاملين تحت إشرافه ويتصرّفَ بإيجابيّةٍ مع كلّ مجهودٍ يُبذل. القيادة لا تعني التسلّط، بل تقدير عمل الآخر وتشجيعه، فتثمر جهوده ويعطي مردودًا أكبر يصبّ في صالح العمل والمجتمع.

من أهمّ ميزات القائد هي أن يكون مُصغيًا للمتعاونين معه. كلّ قرارٍ يجب أن يَسبقَهُ وقتٌ للإستماع. على القائد السياسيّ مثلاً أن يتّخذ القرارات ويدرك أنّ سلطته مرتبطةٌ بقدرته على الإستماع للأصوات المعارضة. إنّها عمليّة توازن.
والتوازن مهارةٌ أنثويّة تميّزت فيها المرأة في كلّ الميادين. يكفي أن نفكّر بالتوازن الذي تحاول أن تعيشه ما بين الأمومة وممارسة العمل، وبالتالي أن تعكسه على عائلتها.
الكلُّ يوافق بأنّ انعدام هذا التناسق والإنسجام يعني عدم استقرار الأسرة مع تداعياتٍ مدمّرةٍ للمجتمع.
تتمتّع النساء بمهارة تنظيم الوقت بطريقةٍ تختلف تمامًا عن الرجال، وهنّ ماهرات في وهب إصغائهنّ وعنايتهنّ بالصغير والكبير. تُظهر الأدلّة الإحصائيّة بوضوحٍ أنّ الطريقة القياديّة لدى المرأة تحملُ قيمًا مضافة. إنّ دخولهنّ معترك العمل، ووجودهنّ في مناصب صنع القرار، يحسّن الإنتاج وإدارة شؤون العمل ويقلّل من الفساد. يمتلكن بالفطرة مواهبَ شتّى، يدركن أنّ الآخر بحاجة، لا إلى أن يُفهم وحسب، بل أن يتمَّ الترحيب به والإستماع له. بهذا تتحسّن من دون أيّ شكّ جودة العلاقات بين الناس. عن طريق مقارنة الإدارة الصحيّة، على سبيل المثال، في ١۹۳ دولة، أفادت الدراسة أنّ ١۹ دولة تقودها النساء حقّقت نتائجَ أفضل نسبيًّا في ما يتعلّق بأعداد الإصابات والوفيّات المرتبطة بفيروس كورونا، مقارنةً بالدُوَل التي يقودها الرجال. ويمكنُ إيعازَ هذه النتائج المذهلة إلى “فرق القيادة” لدى القيادات النسائيّة، على غرار المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل، ورئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن، ورئيسة تايوان تساي إنغ ون، ورئيسة وزراء فنلندا سانا مارين.
تعرف المرأة كيف تكون كالسفح المنحدر، فهي تعرف أنّ “الآخر يتكلّم من خلالها”، بفضل قدرتها على الإصغاء. طويلة الأناة، قادرةٌ على التحمّل. مَن احتملت آلام المخاض، تُدرك بأنّ التفاعلَ السريع يمنعُها من الإصغاء الجيّد لما يقوله الآخر. لا تقاطعه للردّ عليه، لأنّ الإستماعَ الفاشل يولّدُ الكثيرَ من سوء التفاهم، بل تضمّ في حناياها أتعابه وشقاه ومساعيه. الإصغاء يولّد الثقة، هو منزوع السلاح ويقظ.
فرقٌ كبير ما بين أن أُظهرَ للآخر الإنتباه وأن أنتبِهَ فعلاً له: الأوّل مهنة، والثاني طريقة وجود.
إنّ الإصغاءَ يلقي الضوء على خطاب من يتحدّث وينيره فيجعله قادرًا على رؤية ما في داخله والإفصاح عن المزيد ممّا في داخله، وهذا ما تستطيع المرأة تلقائيًّا القيام به وهي تستمع عن كثب لمن حولها، متقبّلةً أفكار الآخرين، مكتسبةً بتواضعها وحُسن إدراكها من نهجهم القدرةَ على النموّ.

لذا وجب علينا أن نجاهدَ من أجل تعزيز المواهب النسائيّة غير المرئيّة في الكثير من الأحيان ومشاركتها ونشرها. كم هي قادرةٌ تلك المرأة القائدة على لعب دورٍ مميّزٍ في جميع مجالات عملها وحيث يصل نفوذَها، فتحملَ للأمام بحُسن تدبيرها ما أُوكلَ إليها لتُتقنَ إدارته. فلنطمئنَّ إذًا كلّما تبوّأت امرأةٌ مركزًا قياديًّا.

ريما السيقلي

Spread the love