القهوة المعلّقة
هل المحبّة قادرة أن تُحدث تغييرًا ملحوظًا على مستوى المجتمع الإنسانيّ؟
في الواقع تخبرنا الأبحاث التجريبيّة أنّ للحُبّ أو المحبّة بُعدٌ إجتماعيٌّ أكيد. هذا ما سَنُسلّط الضوء عليه.
لنبدأ بخَبرَيْن من واقع هذه الأيّام.
الأوّل هو قصّة صيّاد سمك أَنقَذ منذ فترةٍ قصيرة، مُنْتَهِكًا القانون، ٢٤ مهاجرًا كانوا في خطر الغرق أثناء عبورهم البحر الأبيض المتوسّط. وفقًا للقانون لا ينبغي له مساعدتهم شخصيًّا، يمكنه فقط الإتّصال لطلب المساعدة. لكنّه يقول: “أنا لستُ بطلاً… في الواقع لقد وَشوا بي، لكنّني سأعيد الكرّة من جديدٍ ألف مرّة”.
الخبر الثاني هو ما أظهره مقطع فيديو نُشِرَ على تْوِيتر خلال التدخّل العسكريّ الروسيّ في أوكرانيا. جنديٌّ روسيٌّ يبكي وسط مجموعةٍ من أكرانيّين مَحلّيّين يُطعمونه ويقدّمون له كوبًا من الشاي، وإلى جانبه امرأةٌ أكرانيّة تعطيه هاتفها ليتواصل مع والدتها في روسيا.
هذه السلوكيّات لا تتعلّق بمنطق الواجب والعدالة، ولا تدخل ضمن حلقة (العطاء – التلقّي – الإرجاع)، بل تكسر التوقّعات وفي بعض الأحيان تخالف القانون. في قصّة الصيّاد مثلًا هناك نوعٌ من “العصيان المدنيّ” جوهرُهُ العناية بالأشخاص وبالعالم. إنّها أفعالٌ تخالف منطق العالم التنافسيّ، وتخلقُ روابطَ إجتماعيّةٍ جديدة، مساحاتٍ يتصرّف فيها الأشخاص عكس التيّار السائد.
يمكننا تعريف هذه المبادرات بأنّها “حبٌّ إجتماعيّ” يقدّمُ الأشخاصُ بواسطته أكثر ممّا يتطلّبه الموقف بقصد الإفادة أو النفع.
الخيرات المعلّقة
لقد قمنا أيضًا ببحوثٍ تجريبيّة ودراسة لحوالي عشرين حالة. منها، حالة “الخيرات المعلّقة”. على سبيل المثال، حالة “القهوة المعلّقة”. هل سمعتم عنها؟ في نابولي، عندما تذهب لشرب فنجان قهوة، تترك فنجانًا “معلّقا”، أي تدفع ثمنه مسبقًا من أجل شخصٍ محتاج. الآن أصبحتْ “القهوة المعلّقة” عادةً واسعة الانتشار في العالم. هناك أيضًا “البيتزا المعلّقة” و”الباغيت المعلَقة” في فرنسا.
نذكر أيضًا حالة “المأذونيّات المعلّقة”: يترك الشخص “مأذونيّةً معلّقة” من أجل مَنْ ليس لديهم تصاريحَ كافيةٍ للبقاء بقرب أحبّائهم المرضى. إنتشر هذا العمل التضامُنِيّ وأصبح هناك قانونٌ يسمح بذلك في بعض البلدان، ما أضفى عليه الطابع المؤسَّسِيّ
مؤشّر الحبّ العالميّ
منذ عام ٢٠٠٤ هناك مجموعاتٌ من الأخصّائيّين يُوَصّون بتخطّي “الناتج المحلّيّ الإجماليّ” كمقياسٍ وحيدٍ لرفاهيّة الناس، واليوم أصبح هذا التخطّي ضروريَّا أكثر من أيّ وقتٍ مضى، خاصّةً في عالَم ما بعد الكوفيد الذي أظهر لنا أنّه يجب التخلّي عن الإنتاج كنظامٍ وحيدٍ للعلاقة مع العالَم. هكذا وُلد المشروع الذي يهدف إلى تصوّر رفاهيّة الأشخاص والبلدان على أساس الحُبّ الإجتماعيّ: “مؤشّر الحُبّ العالميّ”.
لا يزال التعمّق بهذا التفكير قائمًا مِن خلال إستطلاع الآراء الفرديّة وأعمالٍ مؤسَّساتِيّة. يمكن أن نتكلّم عن هذا المشروع ونتائجه في وقتٍ لاحق.
سيلفيا كتالدي وجينارو يوريو
أخصّائيَّان في علم الإجتماع