القرب (الجزء الأوّل)

إليكم الجزء الأوّل من تأمّل العام الجديد وقد اختارته مارغريت كرّام رئيسة مجموعة الفوكولاري لسنة ٢٠٢٥ تحت عنوان “القرب”، أو “من أنت بالنسبة إليّ”؟

تقول مارغريت: بدا هذا السؤال أساسيًّا بالنسبة إليّ. من هو الشخص الذي أقترب منه؟ أهو قريب، صديق، أخ، عدوّ؟ وما هو موقفي تجاهه؟
لقد وجدت إجابةً أولى في فقرةٍ من مذكّرات كيارا لوبيك وقد تطرّقت فيها إلى الوصيّة الجديدة وكتبَتْ: “بهذا سيعرفون أنّكم تلاميذي، إذا كان لديكم حبٌّ بعضكم لبعض”. إذا كان لديكم حبّ…”. فإذًا عندما يكون هذا العنصر غائبًا في القلب في النفس… هم لن يعرفوا. كم مرّةٍ نسمح لأنفسنا بأن ننشغل بأشياء كثيرة، حتّى الجميلة منها، وتتعلّق بالحركة والكنيسة، وكلّ هذا نفعله بدون أن “يكون لدينا حبٌّ للذين يعيشون بجانبنا!” ولكنّ هذه، وهذه وحدها، هي المسيحيّة، والتأكيد عليها هو دعوتنا الخاصّة، الثورة التي يجب أن نُحدِثَها (…)”.

أيّ قرب؟
تقول كيارا: “إنّ رسالتنا الخاصّة، الثورة التي يجب أن نحقّقها، هي أن نحبَّ الذين يعيشون بجانبنا”.
لهذا السبب، سألتُ نفسي: ما هي المساهمة التي يمكن لكاريزما الوحدة أن يقدّمها؟
بالتأكيد مِن المهمّ أن نكون قريبين من الآخرين، لمساعدتهم، ولدعمهم، ولكن ربّما هذا لا يكفي. أو، في بعض الأحيان، نشعر بالرضا عن الخير الذي نحاول القيام به، ويمكن أن يَحدُثَ هذا على المستوى الشخصيّ، وأيضًا على المستوى الإجتماعيّ عندما، على سبيل المثال، يكون الدافع وراء ما نقوم به يُخفي في داخله شعورًا أنانيًّا رقيقًا: وذلك لنُظهر للآخرين أنّنا صالحون.

القرب في الكنائس المسيحيّة
القرب هو مفهومٌ مركزيٌّ للعالم المسيحيّ، ويؤدّي دائمًا إلى اتّحادٍ عميقٍ مع الله، كما يشرح البابا شنودة الثالث من الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة. فهو يقول: “إذا كنتَ تريد أن تُحبَّ الله، فابْدَأ أوّلًا بمحبّة الذين بقُربك. إخدمهم، ساعدهم، إحترمهم، أعطِ نفسك لهم. عندها، تجد أنّ محبّة الله قد دخلت قلبك تلقائيًّا”.
في الإعلان الكاثوليكي اللوثري المشترك الموقّع في لوند، السويد، في عام ٢٠۱٦، نرى كيف أنّ القرب هو دعوة حقيقيّة قادرة على التغلّب على شرور العالم:
“يدعونا الله لنكون قريبين من الأشخاص الذين يتطلّعون إلى الكرامة والعدالة والسلام والمصالحة. واليوم، على وجه الخصوص، نرفع أصواتنا من أجل وضع حدٍّ للعنف والتطرّف اللذَيْن يطالان العديد من البلدان والجماعات، وعددًا لا يُحصى من الأخوات والإخوة في المسيح”.

القرب في التقاليد الدينيّة المختلفة
تسلّط التقاليد الدينيّة الكبرى الضوء أيضًا على غنى الوجوه العديدة للقرب. هنا أقدّم لكم بعض الأفكار التي يمكن التعمّق فيها بشكلٍ أكبر في وقتٍ لاحق.
في الإسلام هناك العديد من الإشارات إلى المحبّة/ الرحمة التي يعطيها الله ويطلبها من المؤمنين، مثل آية القرآن حيث يقول الله للنبي: “لا أسألكم عليه أجرًا إلّا المودّة في القربى”.
في التقليد اليهوديّ، غالبًا ما يُسلَّط الضوء على الآية الكتابيّة “أحبب قريبك حبَّك لنفسك”. في بعض الأحيان يرتبط القرب أيضًا ارتباطًا صريحًا بحضور الله.
في الكونفوشيوسيّة والبوذيّة والهندوسيّة، الإحسان، التعاطف ووجود الله في كلّ كائن هي في أساس القرب.
في ديانات السكّان الأصليّين، يُعبَّر عن مفهوم القرب في الممارسات الجماعيّة، واحترام الأرض والأجداد، والتعاون المتبادل.
لقد أغنى بعض الأصدقاء ذوي المعتقدات غير الدينيّة فهمي للقرب ببعض المساهمات. فقد عبّرت إحدى الصديقات على النحو التالي: “القرب يعني مشاركة الآخرين في العالم في الحالة الإنسانيّة المشتركة، الهشّة والمحدودة. لذلك من المناسب أن ننظر بعضنا إلى بعض بتعاطف ورحمة. ووفقًا لها، فإنّ القرب هو أكثر من مجرّد تقرّب وتضامن، لأنّه بحث شخصيّ عن الرجاء”.

المدينة الجديدة

Spread the love