في عيد السنة الثمانين للفوكولاري ١٩٤٣ – ٢٠٢٣
كيارا لوبيك (١۹٢٠ – ٢٠٠٨) هي مؤسِّسة حركة الفوكولاري، وأوّل رئيسةٍ لها، وكاتبةٌ غزيرة الإنتاج. نتوقّف في هذا الجزء الأوّل مع بعض المحطّات المهمّة من حياتها للفترة الممتدّة ما بين سنة ١۹٢٠ حتّى سنة ١۹٣٧.
كيارا لوبيك (١۹٢٠ – ٢٠٠٨) هي مؤسِّسة حركة الفوكولاري، وأوّل رئيسةٍ لها، وكاتبةٌ غزيرة الإنتاج. نتوقّف في هذا الجزء الأوّل مع بعض المحطّات المهمّة من حياتها للفترة الممتدّة ما بين سنة ١۹٢٠ حتّى سنة ١۹٣٧.
الدعوة الأولى للقداسة
العمل الكاثوليكيّ ولوريتو
في سنّ الخامسة عشرة تقريبًا، شعرت سيلفيا لوبيك في داخلها بدعوةٍ للقداسة ملّحة. تقول لفالنتينا صديقتها: “أريد أن أصبح قدّيسة”! فتجيب فالنتينا عفويًّا:”وأنا أيضًا”. ذهبتا معًا إلى المقرّ الرئيسيّ لشابّات العمل الكاثوليكيّ، واثقتَيْن من دعوتهما، فشاركتا مُرشدهما بشعورهما. هناك ومع أخريات، كنَّ يحضرّن اجتماعات بعد ظهر يوم السبت. بعد المشاركة الروحيّة الغنيّة، كنّ يَبْقينَ معًا حتّى الساعة السابعة مساء؛ وفي اليوم التالي، أي يوم الأحد، كنَّ يشاركن بعضهنّ البعض، خلال القداس، بالخبرات التي عِشْنَها معًا نهار السبت.كانت تلفت الجميع بعمقها الروحيّ واستعدادها الدؤوب للدراسة.
إلتحقت سيلفيا، في خريف عام ١٩٣٩، بمدرسةٍ في كاستيلو دوسانا، وهي قريةٌ صغيرة، على بعد ٧٠ كلم من ترينتو. سرعان ما أدرك كاهن الرعيّة أنّه وجد لنفسه فيها معاونًا صالحًا. إقترحت عليه سيلفيا أن يبدأ اجتماعات للراغبين في الإلتزام بالعمل الكاثوليكيّ، وطلبت أن تنضمّ إليها بصورة خاصّة إيلينا مولينوني، وهي فتاةٌ صغيرةٌ من كاستيلو، كي تساعدها في الإجتماعات الأسبوعيّة.
إنتهى العام الدراسيّ وغادرت سيلفيا منطقة كاستيلو. تقول إيلينا: «رافقناها على طول الطريق الوعر المؤدّي إلى الوادي. سرنا بصمت، وكتلةٌ من الحزن تعقد حناجرنا. كان لديها دائمًا ما تقوله لكلّ واحدةٍ منّا. بعد بضعة أيّام، وصلتنا رسالةٌ غير متوقّعة، تقول بأنّ سيلفيا ستكتب كلّ أسبوع حتّى تتمكّن الفتيات من مواصلة اللقاءات والنموّ في حياتهنّ الروحيّة.
لقد نقلت لهنَّ بثقة تجارب حياتها الروحيّة، كذلك الحدث الذي عاشته في ٩ أكتوبر ١٩٣٩. كانت قد غادرت قبل سبعة أيّام إلى مزار لوريتو حيث يوجد بيتُ العائلة المقدسة. تروي سيلفيا في رسالتها: “أعتقد أنّ كلّ مَن يدخل إلى هناك يبكي من الفرح كما بكيتُ أنا. تخيّلن يا فتياتي الصغيرات، أنّنا نوجد في المكان نفسه الذي عاش فيه يسوع طفلاً ومن ثم شابًّا، والعذراء القدّيسة، والقدّيس يوسف، وأنّنا نقف بين تلك الجدران التي تردّد فيها صوت الملاك عندما قال: “السلام عليك يا مريم”، كما سمعت تلك الجدران جوقات الملائكة التي أسعدت يسوع، وترانيم أنشدتها مريم لينامَ طفلُها. تخيّلنَّ، يا صغيراتي، أنكّن قادراتٌ على تقبيل تلك الجدران. يا لها من فرحة هناك فكّرتُ بكنَّ، يا أخواتي الصغيرات، وكم تمنيّتُ لو كنتنَّ معي حتّى تَشعُرَنَّ بما شعرتُ به. هناك نتغيّر، ننتقل إلى مكانٍ آخر، لكأنّنا في الجنّة.”
في لوريتو، ساور سيلفيا حَدْسٌ لن تنساه: من الممكن أن تتبعَها مجموعةٌ من العذارى. توقّفت للتأمّل في المنزل الصغير، وأدركت أنّ طريقًا جديدًا سيُشَقُّ، لم يتمّ تحديدُه بعد، لكنّه طريقٌ يختلف عن تلك الطرق المعروفة في الكنيسة. رسالةٌ إلى إيلينا مولينيوني
ترينتو، ١٤ أبريل ١٩٤٠
عزيزتي إيلينا،
أشعر بحاجةٍ مُلحّةٍ للكتابة إليكِ ومشاركتكِ فرحتي. شاركتُ أمّي بفرحتي هذه وها أنا أشاركها معكِ. أعلم أنّ قلبَكِ يفهمني. أعلم أنّك تعيشين مثالي!
اليوم، بعد تأمّلٍ صباحيٍّ طويل وعميق، قصدتُ مع شابّات أَتَيْنَ من جميع أنحاء ترينتو، الكنيسة الصغيرة الموجودة في قصر قداسة رئيس الأساقفة سيليستينو إندريسي. بعد أن استمعنا إلى كلماته المؤثِّرة، بارك حوالي ثلاثين صليبًا صغيرًا. وهكذا أصبحت مرسلة مكرّسة للعمل الكاثوليكيّ يا لها من فرحةٍ خصّني بها الربُّ اليوم! لقد درست لمدّة ثلاث سنوات، وبدا لي أنّ ذلك اليوم لن يأتيَ أبدًا! وها هو قد حلّ. أنا في العشرين من عمري، يا إيلينا، نلتُ صليب التكرّس للرسالة، أشعر وكأنّني أعيشه إلى أقصى حد! للحظات، بَدَتْ لي مسؤوليّتي رهيبة، لكنّي ما لبثتُ أن ألقَيْتُ بنفسي في قلب الربّ! […] رسالتي هذه، يا إيلينا، لكِ ولكِ وحدكِ! قومي بإخفائها أو حرقها بعد قراءتها. العالم، كما تعرفين، لا يفهم هذه الأمور!
لقد أخبرتني في رسالتك الأخيرة عن “الكراهية” التي يكنُّها لك الآخرون. صدّقيني إيلينا، إنّها علامةٌ على محبّة الربِّ لك. أنتِ من أتباعِ يسوع؛ لقد عاش ٣٣ سنة، وهو الآن يعيش ويحقّق الرسالة من خلالنا. هو الذي يعيش فينا! قال لنا: “لقد اضطهدوني، وسوف يضطهدونكم أيضًا!” إذا سار كلُّ شيءٍ على ما يرام، فلن يُؤتِيَ عملُنا ثمارَه، يا إيلينا!
ولكن، لا تيأسي. أظنّ أنّها العلامة أنّ الربَّ معكِ.[…] قَوّي روابطَ الصداقة مع رفيقاتِكِ وفي ما بينكنّ. كوني لطيفةً مع الجميع وبخاصّةٍ مع الذين يكرهونَكِ، صلّي لأجلهم، أُسْلُكي السلوك الصالح في كلّ الأمور! لا تنسي مسؤوليَّتكِ تجاه العالم.
إرحمي الذين يضطهدونك، أغفري لهم، تحدّثي عنهم بالخير، ولا تذكري أبدًا ما يفعلونه من شرّ؛ سترى رفيقاتُكِ تصرّفَكِ وسَيَقْتَدِينَ بك، وسوف يَملُكُ يسوع في ما بينكنّ حقًا! […] أقبلّك من كلّ قلبي، سيلفيا
المدينة الجديدة