أوّلُ مداخلةٍ لرؤساء الكنائس كانت للبطريرك إبراهيم إسحق الذي أشار إلى الطريق الأفضل ألا وهو المحبّة. وقال “(…) هي رسالةُ الكنيسة التي لم ولن تفقد قوّتها على مدى العصور. كلّ كنيسةٍ من مجلس كنائس مصر جميلةٌ ولها مواهبُها ولكن ما العمل في سبيل بُنيان شعبنا؟ لكلّ كنيسةٍ حياةٌ روحيّة، تراثٌ رهبانيّ، مدارس… وحين نكرّسُ إمكانيّاتنا من أجل البُنيان، نؤدّي الشهادة من أجل المسيح وليس للمجد الذاتيّ”. كما شدّد على أهمّيّة الإيجابيّة، أي التكلّم بوضوحٍ وصراحة، وعن التقدّم باقتراحاتٍ عمليّة كالخروج من القاهرة نحو مناطق أخرى في مصر وأضاف: “الأنشطةُ تكثُر! كلُّ ذلك إنّما هو طاقةٌ إيجابيّة، أي فرصةٌ للمستقبل”.
أمّا المطران منير حنّا فقال: “التنوّع وقبولُهُ غنى، يتطلّبُ قلوبًا منفتحة تتميّزُ بروح السخاء. الوحدة تحتاج أن نكونَ كرماءَ في ما بيننا.(…) تتواجدُ الأعضاءُ معًا وتتعاون، والعملُ المُشترَك يُزيلُ الكثيرَ من الصور المشوّهة! أصلّي لأعمالٍ مشتركة، تُنمّي شهادتنا وتساعدنا لتحقيق الخير. أدركُ اختلافَ الآخر وأحبُّهُ وأقبلُهُ وأتعلّمُ منه. هي رسالةُ وئامٍ ومحبّةٍ ورسالةُ ميلادٍ جديدٍ للعالم كلِّه (…).
وجاء في خطاب القسّ أندريا زكي ما يلي: “(…) نحو كنيسةٍ لها متانةٌ ومرونة، ونحو مجتمعٍ قادرٍ أن يستوعِبَ ويتغيَّر. هذا يتطلّبُ شفافيّة، ليس فقط في ما يُعلَن، هي شفافيّةُ الضمير مع الذات ومع الإخوة.(…) يقدرُ مجتمعُ المتانة أن يُؤسّسَ على الثقة، فالثقة تعبُرُ نحو الآخر وتبني علاقةً معه، هو مجتمع الإستيعاب وليس الإستبعاد. مجتمعٌ يؤمن بالتكامل، يؤمن بالمساواة في الفُرَص. علينا إعطاء مساحةٍ للآخر المُختلف، فيكون اتّساقٌ بين العقيدة والسلوك، وربطٌ بينهما. فنقوم بأدوارٍ نبويّة، مؤمنين بالتماسك الروحيّ والإجتماعيّ. أحلم بهكذا مجتمعٍ لكنائسنا ومجتمعنا”.
وتكلّم البابا تواضروس الثاني عن يسوع ومَثَل الوزنات، ووصف مجلس كنائس مصر بالوزنة الثمينة التي قدّمها الربُّ لنا. وقال إنّ لكلٍّ منّا وزنات كثيرة يتلقّاها في كلّ صباح، مِثل الصحّة والدراسة والخدمة والأسرة… قال أيضًا إنّ الربّ يُعطينا وزناتٍ جماعيّة، فَوَزْنَةُ مجلسِ كنائسَ مصر تُعبّرُ عن عملنا معًا، خمسةُ أعضاءٍ يعملون سويّةً كما أصابع اليد الخمس التي تعملُ معًا. “ولهذه الوزنة ثلاثُ صفاتٍ رئيسيّة:
١- وزنة الوقت: فالمجلس عَبَرَ من العام الأوّل حتّى السادس، هو عملٌ ينمو، تمامًا كما تكون أنت حين تحتفلُ بعيد ميلادك، تكون بحالةِ نموّ. حين يُستخدمُ الوقت جيّدًا يكونُ الإنسانُ حكيمًا وإلاّ فهو جاهل. نَبْتَتُنا صغيرةٌ وعمرُها ستُّ سنوات، لذا يجبُ أن نُفعِّلَ العمل. إنَّ الوقتَ هو العطيّةُ التي نتساوى بها جميعًا. كلُّ واحدٍ منّا يأخذُ ٢٤ ساعةٍ جديدةٍ ويبدأ باستخدامِها.
٢- وزنة المسؤوليّة: علينا تفعيلها بشكلٍ حسيّ، “كنتَ أمينًا في القليل فأقيمُكَ على الكثير”، وإلاّ نكون كالذي دفن الوزنة في الأرض. كلُّ كنيسةٍ هي مستقلّةٌ في إدارتها وظروفها ولكن علينا العمل معًا.
۳- وزنة الفرح: ما أحلى أن نوجَدَ معًا، وما أحلى أن نعَمَل معًا(…)، والإفتخارُ في هذا المجلس هو افتخارُ فرح، تجمعُنا علاقةُ محبّةٍ أصيلةٍ وشفافّة، وهذا يؤول في كنائسنا إلى فرح. “إفرحوا في الربّ كلّ حين”.(…)”.
أمّا الأمين العام الجديد الأب بولس جرس فذكر العناصر الثلاثة وهي: دستور حياة، أسلوب حياة وأسلوب صلاة. حدّد العنصر الأوّل بهدفَيْن: الأوّل تعميقُ المحبّة وحياةُ الشَرِكة والتعاون بين جميع كنائس مصر، والثاني تدعيم العمل المسيحيّ وخدمة المواطن تحت مظلّة الوطنيّة المصريّة الأصيلة. أمّا عن العنصر الثاني فقال إنّه أسلوبُ حياة وذكّر أنّ الأنشودة تبقى حُلُمًا جميلاً، لا يكفي أن نقرأ النوتة الموسيقيّة لِنُطرَب مهما كان اللحنُ جميلاً، فنحن نحتاجُ أن نستمعَ إليها، ومن الجيّد تذوّقُها، لكنْ آن الأوان أن نلعبها، إنّها معزوفة المحبّة. أمّا العنصر الثالث فهو أسلوب صلاة، تكلّم عن الوقوف في حضرة الله، وقال: “كيف أجرؤ أن أقفَ في حضرة الله دون إخوتي؟(…) فلتكُنْ صلاتُنا حياتَنا، وحياتُنا صلاتَنا، ولنَنْتَقِلْ من صلاة أسبوعٍ من أجل الوحدة إلى كلّ يومٍ من أجل الوحدة”.
وقبل وضع الحجر السادس، فالمجلس بلغ عامه السادس، تمّ تبادلٌ للهدايا، وتبادلُ الهدايا يعني علاقةَ قُربَة! كما لفتتني خلال ترنيم الكورس أكثر من محادثة جرتْ لدقائِقَ وجيزةٍ بين بعض رؤساء الكنائس وفهمتُ أنّ هذا هو الحوار الحقيقيّ، هو صمتٌ وإصغاء! جَمَعتْ كلَّ الحاضرين لقمةُ محبّةٍ وسلامٍ بعد صلاة الأبانا وشبكِ الأيدي… سلامٌ في القلوب وسلامٌ مرسومٌ على الوجوه…
نعم إنّ أساسَ السلام هو الحوار، ويبدأ دائمًا وأساسًا في القلب. وهو أملُنا الوحيد في البقاء كأفرادٍ وشعوبٍ وأجناس. أعطانا يسوع “مفتاحَ” الحوار ألا وهو “المحبّة المتبادلة”. إنّ الحوارَ مكتوبٌ ومحفورٌ في طبيعة الإنسان، ولا يُمكنه أن يتحقّقَ إلاّ بين أشخاصٍ حقيقيّين. الحوار هو أن نعيشَ علاقاتٍ أساسُها الإنجيل، أن نتبادَلَ الخبرات، أن نتشاركَ بما هو أثمن لدينا مع إخوتنا وأخواتنا المنتمين لكنائسَ مختلفة.
هناك حوار الصلاة، فنحن نصلّي معًا بخاصّةٍ خلال أسبوع الصلاة لوحدة المسيحيّين، ولكن لنُظهِرْ للنور حوارَ الحياة، لنحبَّ بعضُنا في كلّ تفاصيل حياتنا، في المكتب، على الطريق، مع الجيران… لتكُن هذه المحبّة المتبادلة لغةَ الشعب في كلّ تفصيلٍ يعيشُه، هكذا نُكوّنُ شعبًا مصريًّا يتنشّأُ على الإحترام والمحبّة، هكذا نوقِدُ في حنايانا حِسَّنا المسيحيّ ونقوّي الرباطَ بيننا بطريقةٍ طبيعيّةٍ سَلِسَة، فنكون شعبَ الله، شعبًا يبعثُ بشُهُبِ محبّته للخالق في كلّ مرّةٍ أَحَبَّ قريبَه. ومن هو قريبي؟ لِنَعُدْ لمَثلِ السامريّ الصالح.
إنّها مساحةٌ للعيش معًا وخلقِ شراكةٍ أخويّةٍ وصداقةٍ إنسانيّة، تسمحُ لنا بالإنفتاح على بعضنا البعض واختبار حضور الربّ يسوع في ما بيننا، هو الذي وعد: “حيثما يجتمعُ اثنان باسمي، أكونُ الثالثَ بينهما”. هذه الخبرة، تؤكّد على آنيّة الإنجيل، وعلى حضور الربّ معنا وفي ما بيننا. إنّها مشيئةُ الله، أن نجيبَ على محبّته بمحبّتنا! هذه دعوتُنا وهي التي زيّنَتْ لقاءنا بعنوانها: “ليكونوا بأجمعهم واحدًا”.
إعداد ريما السيقلي