الشبيبة
غالبًا ما نصادف شبّانًا وشابّاتٍ تَزَعْزَعَ إيمانُهُم، ونقفُ عاجزين أمام شكّهم، لا نملك سوى مراقبتهم والإنتظار، وذلك لأنّهم يرفضون كلَّ مساعدةٍ خارجيّة، من دون أن يكون أيٌّ منهم قادرًا على التخلّص من أزمته أو إيجاد أجوبةٍ ملائمةٍ على تساؤلاته.
ماذا نستطيع أن نعمل لشبّان اليوم عندما يرفضون الحوار مع من هو قادرٌ على مساعدتهم؟ لا شيء! هم يرفضون التواصل معنا لأنّهم يشعرون أنّنا غرباء عنهم، أمرٌ واحدٌ نستطيع أن نقومَ به ولكنّه يتطلّب الكثير من الشجاعة، وهو أن نوكِلَ أمرَهُم إلى الله، وندخُلَ في الظلام الذي يَلُفُّهم.
ولكن كيف لنا أن نعيش هذا الظلام نحن المؤمنون ؟
إيمان المرء لا يَمْنَعُهُ من أن يكونَ المسيح المصلوب، وأن يعيشَ في الوقت ذاته هذا الظلام الحالك أكثر من الشبّان أنفسهم. فإذا شعر هؤلاء بأنّ هناك من لهُ خبرةٌ في تلك الظلمة الدامسة، خبرةٌ أعمقُ من خبرتهم، تَبِعوه. وإذا لم يفعلوا، فلأنّهم يظنّون أنّنا في ضلال، أي أنّنا رأينا نورًا حيثُ ليس من نور. يجبُ إذًا الدخول في هذا الجرح الذي فتحه يسوع فينا على الصليب، وهو الصلاة لله الآب، لا لِيَهْدِيَ هؤلاء الشبّان، إذ قد يكونون قريبين منه أكثر ممّا نتصوّر، بقدر ما نصلّي حتّى يَهْدِيَنا نحن. إذا أردنا أن تكونَ حياتُنا الروحيّة نقيّة، خالية من كلّ تَراخٍ وكلَّ اتّكالٍ بشريّ، علينا ألاّ نكتفي بأن نكونَ مسيحيّين فحسب، وكم من المرّات مسيحيّين فاترين، بل أن نكونَ “المسيح”. علينا أن نصلّيَ فنقول: يا يسوع، لم يُمْتَحَنْ إيماني بعدُ امتحانًا كافيًا، إنّه ما زال فاترًا جدًّا، ولا يتّكِلُ اتّكالاً تامًّا على حُبّكَ، بل على أساساتٍ جِدّ بشريّة. لم يُمْتَحَنْ رجائي ولا محبّتي، فَسِرْ بي يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عامٍ إلى آخر الإمتحان، إجعلني أدخُلُ في صميم الآلام.
هؤلاء الشبّان سيقبلون الحوار في آخر الأمر. لأنّهم سيشعرون أنّ لديهم رفيقًا في ظلامهم الحالك السواد. إنّهم سينزعون القناع عمّن يُكرّرُ عباراتٍ فارغةٍ وآليّة!
كثيرًا ما ننسى أن نفعلَ ذلك. فإذا كُنّا غالبًا ما نسألُهُ أن يساعدنا في الألم، فهل نصلّي له لكي يُقَدّسَنا؟ إذا التزم الإنسانُ بالله التزامًا كامِلًا، تصيرُ العودةُ إلى الوراء عسيرةً جدًّا.
إنّ الذين يتألّمون في الظلام يعيشون آلام المسيح الذي “جعل من نفسه خطيئةً ولعنة”. فما من خطيئةٍ إلاّ ويرى فيها وجه المسيح المصلوب.
من واجبنا إذًا الخروج من أنانيَّتنا ومن تصوُّرِنا لإيمانٍ بدائيّ، لكي نذهَبَ فَنَنْضَمَّ إليهم. ولنتذكّر مَثَلَ الخروف الضالّ، لقد ذهب يسوع يبحثُ عنه تاركًا التسعة والتسعين الآخرين، نحن أيضًا، فَلْنَذْهَبْ للبحث عن هؤلاء الناس، وإذا انْعَدَمَ التواصُلُ معهم ، هذا لا يعني أنّهم ضالّون وغرباء عن المسيح، بل نحن الذين ما زالت فضائلُ المحبّة والإيمان والرجاء عندنا ضعيفةً جدًّا.
                                                                                                                                                                                        كيارا لوبيك
For-web-Chiara
Spread the love