إنّ العلاقة مع الآخرين، وخاصّةً في إطار العلاقة الزوجيّة، هي أمرٌ أساسيٌّ لحياةٍ مليئةٍ ومُرضِيَة.
كيف يمكن الحديث عن السعادة اليوم؟ مع العديد من الحروب في العالم، مع تزايد الفقر وتهميش الأضعف، وتصاعد العنف اليوميّ، إلخ… البعض، وقد أصابهم اليأس، يلجؤون إلى سعادةٍ أخرويّة؛ بينما آخرون، على العكس، يبحثون عنها فقط في هذه الحياة وبأيّ ثمن، حتّى ولو داسوا أحيانًا على سعادة الآخرين. هل يمكننا التفكير بالسعادة؟
إنّ بذرة السعادة مزروعةٌ فينا منذ الولادة، وتنتظر فقط أن نرعاها لتنمُوَ وتزدهر. نحن مخلوقون من أجل السعادة، ونبحث عنها طوال حياتنا بوعيٍ أو دون وعي؛ فنحن لا نرغب فقط في العيش، بل في أن نعيش سعداء. كتب باسكال أنّ البحث عن السعادة “هو سببُ كلِّ أفعال البشر”. يعرف عالمُ الاستهلاك جيّدًا حاجَتَنا العميقة هذه، ويعدنا بالسعادة بثمن زهيد؛ يُقنِعُنا بأنّ مجرّد شراء ذلك المنتج يكفي لتحقيقها.
وغالبًا ما نخلط بين السعادة والرفاهية. لا شكَّ أنّ الرفاهية قد تُسهّلُ الوصول للسعادة، لكنّها وحدَها لا تكفي لصناعتها. وأحيانًا نخلط السعادة باللذّة، بالإشباع الفوريّ لحاجةٍ ما. كثيرون يخلطونها تحديدًا بالمتعة الجنسيّة. قال فيلهلم رايش، المفكّر الكبير في الثورة الجنسيّة، إنّ “جوهر سعادة الحياة هو السعادة الجنسيّة”. لكنّنا نلاحظ أنّه، رغم التحرّر الجنسيّ، لا يبدو أنّنا أصبحنا أكثر سعادةٍ ممّا كنّا عليه من قبل؛ ليس لأنّ الحياة الجنسيّة لا تستطيع أن تمنح لحظاتٍ من السعادة، بل لأنّ، كما شرحنا في كتابنا الأخير إيقاظ السعادة، هناك شروطٌ معيّنةٌ وضروريّة، من أجل فرحٍ نفسيٍّ-جسديٍّ حقيقيٍّ ودائم..
علينا أن نوسّع رؤيتنا للسعادة ونعود قليلاً إلى عالم الطفولة. فبذرة السعادة الصغيرة، التي تُقرأ في عيون الأطفال، تحتاج لتنمو إلى اكتشاف الفرح حتّى في أبسط تفاصيل الحياة اليوميّة، وتقدير اللحظة الحاضرة، وعدم الخوف من اللذّة “الصحيّة” التي منحنا اللهُ إيّاها، لمساعدتنا أيضًا على مواجهة معارك الحياة. أحيانًا يبدو أنّ السعادة تُفلِتُ من بين أيدينا. إنّها إنجازٌ مستمرّ، ثمرةُ بحثٍ لا ينتهي. يجب أن نكون يقظين في الحاضر، لأنّها قد تمرُّ بجانبنا دون أن نلاحِظَها. كتب الطبيب النفسيّ باولو كريبيت: “السعادة مثل قطار بلا جدولٍ زمنيّ، يمرُّ من حينٍ لآخر. لا يمكنك التنبّؤ بموعد وصوله ولا متى سيغادر”.
يجد كلُّ شخصٍ السعادة على طريقته، ويشعر بها بشكلٍ مختلف. ولكن، وربّما يبدو ذلك غريبًا، الأساس يكمُن في العلاقة، لأنّ الإنسان مخلوقٌ ليُحِبّ ويُحَبّ، وفقط الحبّ المُعطى والمُتلقّى يمكن أن يساعدَنا على اختبار لحظاتٍ من السعادة، مهما كانت الظروف.
ولهذا، يمكن أحيانًا أن تتعايش السعادة مع الألم. من الجميل ما قاله المخرج أنطونيو كاليندا: “السعادة لحظةٌ عابرة، هشّة، غيرُ دائمة، ولكن عندما تصنعُ أنتَ السعادةَ للآخرين، فإنّها تمتد، تتضاعف، وتعيشُها أنت أيضًا كترداد اما أعطيته”. السعادة، باختصار، هي نتيجة المحبّة. حتّى جمال غروب الشمس يمكن أن يمنحنا لحظاتٍ من السعادة، إذا رأينا فيه الحب الذي يُمنَح لنا. لكنّ السعادة أيضًا حاجةٌ من حاجات الحبّ: علينا أن نكون سعداء، لأنّه فقط بهذه الطريقة يُمكننا إسعادَ الآخرين.
أحيانًا، عندما نحاول أن نحبَّ بعضُنا البعض دون تحفّظٍ في مجموعة، أو في علاقةٍ زوجيّة، أو بين الآباء والأبناء، قد يحدث شيءٌ يفوقُنا ويتجاوزُنا، ويستحوذُ علينا، واقعٌ جديدٌ يشملُنا ويوحّدُنا. عندها، بدل أن نمتلكَ السعادة، نشعر بأنّها هي من تمتلكُنا، كما يفعل الماء عندما نغوصُ فيه. ويخيَّلُ إلينا أنّنا ندخل نهرًا من الفرح. هذه لحظات، نعم، لكنّها لحظاتٌ تستحقُّ أن تُعاش من أجلها حياةٌ كاملة.
ماريا وريموندو سكوتّو