السائل السحريّ
ذات يومٍ قال ملكٌ جاهلٌ لإبنه: إذا كنتَ تريد أن تصبح رجلًا عليكَ أن تكونَ حازمًا وقاسيًا حقًّا! فقط هكذا يمكن أن تُثبتَ نفسك. قرّر الإبنُ الذي يهمّه قبل كلّ شيء إسعادَ والده، أن يسلّمَ قلبه إلى والده مع حنانه ولطفه حتّى يُحبَسَ في زنزانة القصر، فهناك كان والدُهُ قد أخفى هو أيضًا قلبه، مثلما فعل قبله جَدُّه وجَدُّ جَدِّه…
نشأ الإبن وأصبح رجلًا كما يريده والده، يعرف كيف يضربُ أو يصرخُ لإثبات ذاته ويفرضُ إرادته. لكن بين الحين والآخر، مَن يدري لماذا، وخاصّةً في ليالي اكتمال القمر، كان يشعر بألمٍ في صدره. فَحَصَهُ أفضلُ الأطبّاء، لكن لم يعرفوا سببَ عِلّته. رجّحوا أنّ الأمر ليس مهمًّا وعلى الإبن أن يقاوم ويكون أقوى، مثلما فعل والده وجدُّه وجدُّ جدِّه… لكنّه كلّما حاول المقاومة كلّما زاد ألمُه.
في إحدى المرّات، ذهب عند العرّاف الذي قال له: “ما تشعر به يُسمّى “حزنًا”، وهو مرضٌ شائعٌ جدًّا بين الرجال الأشدّاء. لكن لا أحد قبلك حاول علاجه!”.
“الحزن؟ عندي مرض؟ وكيف يتمّ علاجُهُ؟”
“وحدك تستطيعُ شفاءه. لكنّ الأمر يتطلّب الكثير من الشجاعة”.
“شجاعة؟ ضحِكَ الإبن قائلًا: “لديّ الكثير من الشجاعة! أنا رجلٌ قويٌّ حقًّا”.
“حسنًا! سأخبرك ما عليكَ أن تفعله. في أعماق القصر هناك غرفةٌ سرّيةٌ فيها كنزٌ أُخِذَ منكَ عندما كنتَ طفلًا. عليكَ سرقة المفتاح الذي يحتفظ به والدُكَ حول رقبته والنزول إلى الزنزانة لإستعادة جرعة الحياة”.
“جرعة الحياة؟”
“إنّه سائلٌ سحريٌّ يُسمّى “اللطف”. عليكَ رشّه على صدرِكَ كلّ صباحٍ وكلّ مساءٍ حتّى يزولَ الألم”.
“أنتَ متأكّدٌ من ذلك؟ كيف سأدرك أنّ المرض زال؟”.
“الأمر بسيط! عندما تتمكّن من اللعب مع طفلِكَ لمدّة ساعةٍ على الأقلّ يوميًّا، تحضنُهُ وتُخبرُهُ عن يومك، وتستمع إليه، دون التفكير بأيّ شيءٍ آخر، فهذا يعني أنّك سوف تُشفى”.
“كلّ يوم؟ مستحيل! ليس لديّ الوقت…”
“نعم كلّ يوم. وإذا ارتَسَمتْ ابتسامةٌ صادقةٌ على وجهك ووجه ابنك، فهذا يعني أنّك ستُشفى!”.
“ألعب؟ أحضن؟ أخبّر؟ هذا للناس الضعفاء! أنا ابنُ الملِك وتعلّمتُ أنّ الرجُلَ لا يفعل هذه الأشياء!”.
“أعلمُ ذلك! والمشكلة هي أنّنا أحيانًا نصدّق ما يُقال لنا منذ الصِغَر ونستسلم لِما نَتَلَقَّنَه، لأنّ الشخص الذي يعلّمنا هو مهمٌّ بالنسبة لنا، رغم أنّه يمكن أن يكون مخطئًا…”
لكنّ أبي هو الملك ولا يمكن أن يكون مُخطئًا!”.
“لا أعرف إذا فعل ذلك عن قصد. كثيرون يخطئون دون أن يعلموا، حتّى الملوك. إنْ قرّرْتَ أن تستعيدَ قلبَكَ وابنَك، عليكَ ألاّ تخافَ التغيير. يمكنك الآن أن تكون رجلًا حقيقيًّا وأبًا مختلفًا لإبنك”.
“رجُلًا حقيقيًّا؟”.
“الرجُلُ الحقيقيّ هو الذي يكسر قيودَ الماضي ويعرف كيف يدير العدوانيّة التي في داخله ويحمل المسؤوليّة. يعرف أيضًا أن يستمتع دون إيذاء الآخرين. يعرف كيف يلعب مع طفل، ويستطيع أن يقع وينهض من جديد، وكيف يكون حازمًا وقويًّا دون عنفٍ على الإطلاق”.
ترك ابنُ الملك العرّاف وعاد الى القصر وهو مُستغرقٌ في التفكير، و كأنّ قلمَ رصاصٍ خفيفٍ قد رَسم ابتسامةً رقيقةً على وجهه.
هل سيتمكّن من سرقة مفتاح الغرفة السرّيّة ويتحدّى قانون والده؟ لا ندري! لكن يمكننا أن نتخيَّلَه في ليالي اكتمال القمر مُحدّقًا في السماء، مبتسمًا كإنسانٍ شُفيَ من مرضٍ عجيب، يركضُ ليحضُنَ ابنَهُ وينظرا معًا في المرآة لابتسامة حياتهما الجديدة!
ماريانو يافَران

عالِم نفساني مُستشار متخصص في المشورة العائلية

Spread the love