الماء نعمة، الماء حياةٌ يوميّةٌ تؤمِّن استمراريَّةَ وجودِنا، الماءُ حاجةٌ لا يُمكننا الإستغناءُ عنها ومتعةٌ تَمنحُنا رفاهيّةً واسترخاء. الماء قوّةٌ يُمكن أن تخلُقَ كما يُمكنُها أن تدمِّر، وهي الأملُ إذ تبقى هبةً بجمالها وموردًا يُعزّز عَيْشَنا وأداةً للسلام لا للحرب.
حين نحلُّ ضيوفًا عند أحدهم، وقد أتعبنا المشوار، أوّل ما نطلبُه “لا شيءَ سوى كوبِ ماء من فضلك “. قد يكون كوب الماء أقلّ ما يُمكن تقديمُهُ للضيف، لكنّه لا ينقصُ أبدًا في أيِّ بيت، فبادرةُ كوب الماء تُشعِرُكَ بالإرتواء والإنتعاش والإهتمام والترحيب. هي هبةٌ تُعلّمنا المجانيّة في العطاء، والبساطة في المبادرة، والغنى في التواضع. فالماء عطيّةٌ لا تُقدَّرُ بثمن!
وبما أنّ المياهَ حياة، ولا يمكن خصخصة الحياة، وبما أنّ المياه منفعةٌ عامّةٌ وثمينة، نحتاج إذًا إلى تغييرٍ ما، يُسمّى سياسة المياه. فالمياهُ ليست ورقة مساومةٍ لتحقيق الأرباح، ولا سلعةً إقتصاديّةً في الأسواق التجاريّة لتحقيق المصالح وحَفرِ آبارٍ ملوثّةٍ بالأنانيّة والمصالح والأرباح الماديّة! إنّ المياهَ خيرٌ عامّ، وحقٌّ للمواطنين وأفراد المجتمع، فبالماء يمكنُ إعادة بناء دولة. كلّنا على علمٍ بالإضطراب المناخيّ وما سوف ينتجُ عنه مثل ندرة المياه، والنزوح، وسوء التغذية، وتدهور الأنواع وانقراضها… وكلّ هذا هو مصدرُ قلقٍ كبيرٍ لأنّ معالمَ الحياة على الأرض سوف تتبدّل. فالزراعة، والثروة الحيوانيّة، بما فيها مصائد الأسماك وتربية الأحياء المائيّة، سوف تُعاني جميعُها من خسائرَ مفاجئة، لأنّ المناخ هو “محرّكُها الرئيسيّ”. وكما جاء في تقرير اللجنة الدوليّة للتغيّرات المناخيّة، أنّه في مواجهة هذه المشاكل العامّة، لا يوجد علاجٌ سحريٌّ واحد. يمكنُ وعلى سبيل المثال حماية مرافق الغازات البالوعيّة في المحيطات من قبيل غابات المنغروف والأعشاب البحريّة، أحواض “الكربون الأزرق”، والتي يكمن دورها بامتصاص الكربون، وهي توفّر أيضًا موئلاً أساسيًّا للعديد من أنواع الكائنات البحريّة وغذاءً لسكّان المناطق الساحلية. لنعتنِ إذًا بالثروة المائيّة فنحرُصَ على عدم هَدرِها والمحافظة عليها ك”ذهبٍ أزرق” وليس ك”تحصيلٍ حاصل”، ولنعتنِ بالأمن المائيّ في وجه التلوّث والتغيير المناخيّ.
لطالما انشغل بالنا بأخبار الدنيا، وتمادَيْنا في لامبالاتِنا بالمجتمع المدنيّ، ، فحلّ الوباء في “الوقتِ المناسب” ليقضَّ مضجعَنا، علّنا نصحو من غفوتنا، ونُدركَ أنّ علينا المحافظةَ على الحياة والترشيد والتعاون حتّى نحيا بأمانٍ في هذه القرية الواسعة.
ريما السيقلي