الحارس الليليّ

ينطلق المختصّ البيبْليّ لْوِيدْجينو بْروني من قصّة قايين وهابيل ليتأمَّلَ في دخول الأخوّة في تاريخ البشريّة، وفي هبة الأخوّة وأخطارها. إخترنا مقاطعًا من هذا التأمّل الذي قدّمه في اكتوبر ٢٠٢١ والذي يناسب ما نعيشه اليوم كما في الأمس.

لْوِيدْجينو بْروني منسّق دكتوراه في علوم الاقتصاد

يقول لْوِيدْجينو: “يستقبل الزوجان آدم وحوّاء إبنًا يدعونه قايين، ورغم كونه قاتلًا مستقبليًّا، هو إبنٌ وعطيّة. الإبن الثاني هو هابيل. هابيل راعٍ وقايين مزارع. يقدّم الأخوان ذبائحًا لهّو، لكنّ الله لا يقدّر عطايا قايين، كما جاء في الكتاب المقدّس”. يجدر التنويه هنا بأنّ قايين وهابيل لهما قلبان مختلفان. قايين يقوم بواجبٍ يعرفه، أمّا هابيل فيختار الأفضل ليقدّمه للربّ. نتابع حديث لْوِيدْجينو: “يتألّم قايين من هذا النقص في التقدير ولا يستطيع السيطرة على ألمه، ألم الغضب والغيرة. يعرض على هابيل أن يرافقه إلى الحقل وهناك يقتله. إنّها نقطة تحوّلٍ كبرى!
الإحباط العموديّ (قايين – الله) يُنتج عنفًا أفقيًّا (قايين – هابيل). إنّها ظاهرةٌ شائعةٌ جدًّا في الحياة المدنيّة وأيضًا الإقتصاديّة. في الواقع لدى كلّ إنسانٍ حاجةٌ حيويّةٌ للتقدير والإحترام والإمتنان، لكنّه يتدرّب على أن لا يُسيءَ إلى مَنْ يحصل على المزيد، بخاصّةٍ عندما يبدو له أنّ ذلك غير عادلٍ أو غير مُبرَّر. وعندما يفشل هذا “التمرين” تتكرّر الجريمة ضدّ الأخ”.
يتابع لْوِيدْجينو: “عندما عاد قايين من الحقل وحده، سُئِلَ: “أين أخاك ؟” لن يخرج هذا السؤال من تاريخ البشريّة. سيظلّ السؤال الأوّل في أساس كلّ مسؤوليّةٍ وكلّ قاعدةٍ أخلاقيّة. لم يُعيَّن قايين حارسًا لأخيه فهو ليس مسؤولًا عنه: “لا أعرف، هل أنا حارس لأخي؟”. لا يخبرُنا الكتاب المقدّس عن أوّل جريمةٍ بين إخوَةٍ وحسب، إنّما يكشف عن القاعدة الأولى لكلّ أخوّة (…) يمدح أخوّة الدّم لكنّه يؤكّد أنّها لا تكفي، فيسلّط النور على مفهومه الجديد للأخوّة، غير المرتهنة برابط الدّم، لا يمكن أن نبقى إخوَةً وأخواتٍ إنْ لم يصبح رابط الدّم رابط الروح، إنْ لم نولَد من جديد في هذا الروح”.
ثمّ يتكلّم لْوِيدْجينو بْروني عن صورة ” الحارس الليليّ” وهي الصورة الأكثر شيوعًا في الكتاب المقدّس. يبقى الحارس واقفًا طوال الليل في برج المراقبة يتابع حركة العربات والخيّالة، لكنّه في نفس الوقت يستمع بلا مللٍ إلى الذين يسألونه: “كم تبقّى من الليل؟”، يتحاور معهم ويرافقهم في انتظار الفجر. يقول لْوِيدْجينو إنّ سؤالهم هذا هو”سؤال الذين يعرفون الليل الذي لا ينتهي، في السجون، في المعسكرات، في المرض المستعصي… إنّه “صلاة” انتظارٍ ورجاءٍ وسط ظلمة الليل، الرجاء بالله، بصديق، بالسلام، بالجنّة، بالعدالة”، فالحارس الأمين هو الذي يحرس هابيل ويوسّع مساحة الأخوّة على قياس المجتمع، والمدينة، والعالم. وإذا سأله الله: “أين أخاك؟”، يجيب: “نعم، إسألني عنه. أنا حارس أخي”. هو الذي ينقذ هابيل من يد أخيه الغدّارة”.
ويختم لْوِيدْجينو قائلاً: “كان قايين باني المدينة الأولى (تكوين : ٤٠-١٧)، واقتصاد هذه المدينة هو اقتصادنا اليوم. لكن يمكننا أن نحوِّلّه إلى “اقتصاد هابيل”، “اقتصاد يسوع”، “اقتصاد الشركة”. عندها يقوم هابيل من الموت ونحن معه. نعود إلى الحقل مع أخينا وهناك “نموت” مرّةً أخرى مثل كثيرٍ من الذين يموتون اليوم بسبب ظروف العمل السيّئة في حقولنا… إلى أن يأتي اليوم المبارك الذي نرى فيه الأخوَيْن يظهران في الأفق عائدَيْن معًا من الحقول”.

إعداد حياة فلاّح

 

Spread the love