الجذور الحرّة ومضادات الأكسدة   FREE RADICALS AND ANTIOXYDANTS
الجذور الحرّة أو جذور الأوكسجين الحرّة، هي جزيئات MOLECULES أوكسيجين غير مستقرّة تفتقدُ لإلكترون واحد على الأقلّ في مدارها الخارجي. إمكانيّتها العالية في الارتباط مع أيّ جُزَيْءٍ آخر، للحصول على إلكترونها الضائع، يجعلها تتفاعل عشوائيًّا وبسرعةٍ مذهلة، مع البروتينات والكربوهيدرات والدهون والحموض النوويّة الخاصّة بنا، فينتُجُ عن ذلك حالةً من الفوضى البيوكيميائيّة سُمِيَّتْ بالأكسدة. فكلّ جُزيْءٍ من خلايانا الطبيعيّة، عند فقدانه إلكترون أو أكثر، يسعى بدوره لسرقة ما فقده من جيرانه، فيتعطّل عمل الكثير من خلايانا الحيويّة مثل خلايا الدماغ والجهاز العصبيّ، والأوعية الدمويّة، أو كريات الدم الحمراء أو البيضاء وهي المكوِّن الأساسيّ لجهازنا المناعيّ. جذور الأوكسجين الحرّة تستطيع كسر إمّا الإنزيم أو الإنزيم المساعد، كما يمكنها الإلتصاق بالبروتينات، وهي قادرةٌ على تجزئتها أو مزجها، فينتج عن ذلك جزيئاتٌ مشوّهةٌ غير فعّالة، أوغير قابلة للتحلّل من الإنزيمات لدينا.
خطورة هذا النشاط الكيميائيّ العشوائيّ داخل دورتنا البيولوجيّة المنظمّة بعناية، يمكن أن يُنظَرَ إليها من خلال قائمة الأمراض التي يُعتقد أنّها مرتبطةٌ بجزئيات الأكسجين الحرّة. وهي تشمل: أمراض السرطان، أمراض القلب، السكتة الدماغيّة، إلتهاب المفاصل، مرض باركنسون، مرض ألزهايمر، إعتام عدسة العين، إنتفاخ الرئة، وأمراض عديدة أخرى. كما يعتقد أنّ ضرر الجذور الحرّة هو وراء الكثير من انحطاط الأنسجة DEGENERATION المتسارع والمُبْكِر، وكان قد صُنّفَ على أنّه نتيجةٌ للشيخوخة العاديّة أو لوجود خلفيّةٍ وراثيّةٍ تساهم في ترهّل الأنسجة.
الجسم ينتج الجذور الحرّة كنتيجةٍ للنشاط البيولوجيّ الطبيعي METABOLISM، كإنتاج الطاقة وتأمين ما ينقصُهُ من بروتيناتٍ وموادٍ أساسيّةٍ لإعادة بناء وتجديد خلاياه، وصَنْع إنزيماته العديدة، وإبقاء سوائله ضمن تركيبتها الفيزيوليجيّة الدقيقة. وكنتيجةٍ لتعرّضه للإجهاد المفرط STRESS جسديًّا كان أم فكريًّا أو نفسيًّا. أمّا العوامل الأخرى فهي خارجيّة وتأتي نتيجةً لتعرّضِنا لدخان السجائر والإنبعاثات الصناعيّة، كما أشعّة الشمس والإشعاعات، الكونيّة منها أو الأرضيّة التي هي من صنع الإنسان، كأشعّة X التي تستعمل في التصوير الشعاعيّ أو كإحدى علاجات الأورام السرطانيّة، وأشعّة GAMMA وهي تستعمل للتعقيم في بعض الصناعات الغذائيّة. أمّا المواد الكيميائيّة، فحَدّثْ ولا حَرَجْ، لقد أضفنا إلى بيئتنا، في السنوات الستّين الماضية، أكثر من ۸۰۰۰۰ مادّة كيميائيّة، وهي من صُنعِنا، وخطرها الحاضر والبعيد المدى يكمن في تلويثها الدائم لبيئتنا، كالتربة ومصادر المياه والهواء، فينتهي بها المطاف داخل خلايانا. فالخليّة المزدحمة بالجزيئات الضارّة، وفي محاولةٍ منها لِرَمْيِها خارج الخليّة، تستخدم تفاعلاتٍ غير اعتياديّة مُنتِجةٍ للطاقة، وهذا يؤدّي الى ازدياد تكوّن الجذور الحرّة.
خطورة الجذور الحرّة هي بتراكمها الزائد وهذا يحصل لأسبابٍ عدّة:
– الإنتاج الزائد للجذور الحرّة ينتج عن تغلغل داخل الجسم لبعض الجزيئات الكيميائيّة الخارجيّة، تسمى الكسينوبيوتك ومنها، على سبيل المثال لا الحصر: رابع كلوريد الكربون TETRACHLORIDE CARBON ، والإيثانول ETHANOL، نتروفورانتوين، الفينولات، النترات، والأوزون ومبيدات الحشرات.
– كما ينتج عن نقص في واحدٍ أو أكثر من المعادن المساعدة للأنزيمات، مما يُعَرْقل عملها، كالنحاس، الزنك، المنغنيز، الحديد والسيلينيوم. هذا النقص له عدّة أسباب، أهمُّها اتّباع نظام غذائيٍّ سيّئ التركيب، كما أنّه يفتقر إلى الفيتامينات والفلافونوييد والمواد التي تُبْطِلُ مفعول الجذور الحرّة. الجدير بالذكر أنّ الإجهاد STRESS يُعزّز تسرُّب مختلف المعادن في البول.
كيف يمكننا أن ندافع عن أجسامنا من ضرر الجذور الحرّة؟
بعضٌ من الجذور الحرّة الخارجيّة يمكن تخفيضها من خلال إجراءاتٍ احترازيّة، مثل الإقلاع عن التدخين واستخدام المستحضرات الواقية عند تعرُّضَنا الزائد لأشعّة الشمس. ومع ذلك، فقد أصبح من الصعب على نحوٍ متزايد تجنُّب الملوّثات البيئيّة، والإشعاعات الكونيّة منها والأرضيّة وهي عديدة، كإشعاعات أجهزة الخليويّ والإتّصالات اللاسلكيّة.
مضادات الأكسدة ANTIOXIDANT
مضادات الأكسدة هي جزيئات MOLECULES قادرة أن تَحولَ دون أكسدة جزيء آخر، إذ هي قادرةٌ أن تعطي إلكترونًا أو أكثر إذا دعت الحاجة. وهي بذلك تكسر سلسلة تفاعلات الجذور الحرّة فتبطل عملها. بعض من مضادات الأكسدة يصنعها الجسم، والبعض الاّخر يتواجد في الأطعمة التي نأكلها ومصدرها الطبيعة. لقد تمَّ اكتشاف المِئات منها حتّى الاّن، لكن من المُرَجّح أنّ هناك الآلاف منها في النباتات البريّة والبحريّة، لم تُكْتَشَف بعد، وهذا لا يعني بالضرورة أنّها غير مستهلكة من قِبَلِ بعض الشعوب أو القبائل في مختلف نواحي الأرض.
تُصنَّف المواد المضادة للأكسدة عمومًا إلى فِئَتيْن رئيسيّتَيْن:
– القابلة للذوبان في الماء وهي موجودةٌ في سوائل الجسم المائيّة، مثل الدم والسوائل داخل وخارج الخليّة. ومنها الفيتامين C، الجلوتاثيون GLUTATHION، وال catechins وال ASTAXANTHIN وال POLYPHENOL النباتيّة المصدر.
– القابلة للذوبان في الدهون، وتتواجد في أغشية الخلايا والبروتينات الدهنيّة. إنّها تحمي أغشية الخلايا من تَأَكْسُد الدهون فيها. هي تشمل، للدلالة دون الحصر، الفيتامينات A وE و D والبيتا كاروتين BETACAROTEN. للمساعدة في محاربة وإبطال مفعول الجذور الحرّة المزعجة، نحتاج لكِلَا الفئتين من المواد المضادّة للأكسدة من العديد من المصادرالممكنة. فهي عندما تتواجد معًا، تكون فعاليّتها أكثر.مضادّات الأكسدة ليست متساوية بقدرتها على إبطال عمل الجذور الحرّة. وهذا ما أظهره العلماء عند قياس قوّتها في امتصاص الجذور الحرّة، وقد أعطوا اسم ORAC كوحدة قياس لهذه القوّة.على سبيل المثال، الملفوف الأبيض ( 100 غرام) قوّته 529 ORAC ، أمّا الملفوف الأحمر فهو 2496 ORAC أي خمسة أضعاف قريبه الأبيض. هذا يثبت أنّ الألوان في الخضار والفواكه هي دليلٌ لغناها بمضادّات الأكسدة.لا يسعُني هنا سوى التنويه بما يقوم به “المعهد الوطنيّ للشيخوخة” الأميركيّ IAN ، من أبحاثٍ في هذا المجال منذ أكثر من أربعين عامًا. وقد اكتشف وصنَّفَ المئات من مضادّات الأكسدة وجدولها. لمزيدٍ من المعلومات يُرجى تصفح:
https://www.nia.nih.gov/about/nia-timeline       https://www.superfoodly.com/orac-values
لقد خصَّنا الخالق داخل تركيبتنا البيولوجيّة، بإمكانيّة تصنيع موادٍ وجزئيّات مضادّة للأكسدة، كما جعل الطبيعة من حولنا غنيّةً بالكثير الكثير من هذه المواد. فالخضار والفواكه والثمار والمكسّرات، والأوراق الخضراء والنباتات البريّة، بأشكالها العديدة وألوانها المشرقة وطعمها المُسْتَحَبّ، تَنضَحُ بالفيتامينات والأنزيمات ومضادّات الأكسدة. ما ينقصُنا غالبًا، هو استهلاكها بشكلٍ يوميّ، والتنويع بانْتِقائِها بألوانٍ متعدّدة، لتزيّنَ صَحْنَنا اليوميّ ممّا يزيد من فعاليّتها في درء أخطار التلوّث العديدة المحيطة بنا والمرافقة الإيجابيّة لنظامنا الغذائيّ “العصريّ الإستهلاكيّ”، المليء بالسعرات الحراريّة الفارغة.
هل نحن بحاجةٍ لأخذ مكمّلاتٍ غذائيّةٍ مضادّةٍ للأكسدة؟
ليس بمقدور المكمّلات المضادّة للأكسدة أن تضاهيَ المصادر الطبيعيّة العضويّة الطازجة التي تؤمّن هذه المواد! إنّما للأشخاص اللذين تعدّوا سنّ الستّين، وهؤلاء المعرضيّن لكثيرٍ من الإجهاد، والذين ليس بإمكانهم اتّباع نظامٍ غذائيٍّ صحيٍّ غنيٍّ بالخضار والفواكه الطازجة والعضويّة، والدهون النباتيّة والحيوانيّة الجيّدة، الجواب هو نعم. ويُنصَحُ بالتنويع لتغطية كلّ المتطلّبات المحتملة. كما يُستحْسَن تغيير المكمّلات المستعملة كلّ ثلاثة أو أربعة أشهر. هنا من الطبيعيّ الإستعانة بالطبيب أو الصيدليّ أو أخصائيّ التغذية لإنتقاء ما يصلح لنا.
والمثير للسخرية أنّ بحوثَ الكيمياء الحيويّة الأكثر تطوّرًا، أثبتت أنّ أفضلَ دفاعٍ لدينا، ضدّ أكثر من خمسين مرضٍ مرتبطٍ بضرر جذور الأوكسجين الحرّة، هو بالضبط ما اقترحته أمّهاتُنا: “أكل الفواكه والخضراوات”. لهذا السبب فإنّ الرسالة البسيطة لأكل خمس حصصٍ أو أكثر من الفواكه أو الخضار كلّ يوم، يمكن أن تكون ذات قوّةٍ هائلة من أجل صحّةٍ جيّدة لكلّ فئات المجتمع وفي جميع أنحاء العالم.

إعداد الدكتور جورج خليل

Spread the love