سيّدنا أَرْمَنْدو بورتولازو ليس بحاجةٍ لأن نُعَرّفَ به. فهو ليس معروفًا من الكثيرين في الشرق الأوسط وحسب، بل هو محبوبٌ ومُقَدَّرٌ.
بعد بضعة أشهر سَيَبْلُغُ سيّدنا أرمندو التسعين من عمره. أرادت «المدينة الجديدة» أن تكون أوّل مَن يُقدّم له تمنّياتها بعيده، كعربونٍ متواضعٍ عن حُبّنا، باسم أفراد «الفكولاري» كلّهم، وبخاصّةٍ الفرع المتواجد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
هو آتٍ من شمال شرق إيطاليا من فِيتيشَنْزا، راهبٌ سالزيانيّ، أنهى دراسته عام ١٩٤٩، ورُسِم كاهنٌ عام ١٩٣٥ في كاتدرائيّة المهد في أوراشليم. وصل إلى حلب للمرّة الأولى سنة ١٩٥٩، كان منشّطًا للشبيبة في المركز السالزيانيّ في الناصرة (الأرض المقدّسة) على مدى سبع عشرة سنة. ثمّ عاد إلى حلب سنة ١٩٨٦ حيث شغل مَنْصِبَ قاصدٍ رسوليّ للاّتين في سوريا من ١٩٩٢ وإلى ٢٠٠٢.
اليوم، إنْ لم يكن سيّدُنا بورتولازو في سفر، وهذا ما يحصل غالبًا، فهو يُقيمُ في المركز الساليزيانيّ في الحصون، على سفح جبلٍ بالقرب من مدينة جبيل.
في السنوات الأخيرة عَمِلْتُمْ بِجِدّيةٍ للتوصّل إلى بناء الوحدة بين أساقفة الشرق الأوسط: برأيِكَ أين وصلت الوحدة المسكونيّة بين الكنائس؟
عندما انتُخِبْتُ أسقفًا تساءلت: ماذا عليّ أن أفعل، كأسقف، لأساقفة الشرق الأوسط؟ وفهمتُ أنّه كان عليّ أن أحملَ لهم الوحدة. في حلب كنّا أساقفة عدّة من كنائِسَ وطقوسٍ مختلفة. فتكوَّنَتْ نواةٌ صغيرةٌ من الأساقفة في آوخر ١٩٩٦، بخاصّةٍ في حمص، وتعاونّا معًا، وكان لي صديقان هما الأسقفان المخطوفان حاليًّا: الخورِأسقف للسريان الأرثوذكس غريغوريس يوحنّا والأرثذوكسيّ بولس يازجي (اللذان خُطِفا في ٢٢ نيسان ٢٠١٣). بعد مدّة، واجهتُ مشكلة؛ لقد قرّرت الراهبات اللاتينيّات إقفال ديرهُنَّ في حمص، وهو مركزٌ بالغُ الأهميّة يهتمُّ بالشبيبة والعائلات. فقلتُ للأساقفة الأربع الذين في المنطقة، وينتمون إلى أربع كنائِسَ مخلتفة: «لدينا مشكلةٌ في حمص، سَيُغْلَق ديرُ الراهبات. أستطيعُ أن أجدَ حلاًّ لذلك من خلال الكنيسة اللاتينيّة، إنّما أَسْأَلُكُمْ إنْ كنتم تريدون أن نتعاون معًا؟»، فقبلوا من دون تردُّد.
عَرَضَ أحدُهُم أن يجدَ جماعة راهباتٍ أخرى، وآخر اقترح أمرًا مختلفًا، وطلبا منّي أن أجدَ المالَ لشراء دير الراهبات. كنّا بحاجةٍ إلى ١٢٠ ألف دولار. فأين سأجدُها؟ قرّرتُ في حينه، أن أكتبَ إثنتي عشرة رسالة لإثنتي عشرة مؤسّسةٍ مسيحيّةٍ أوروبيّة، وطلبتُ من كلٍّ منها عشرة آلاف دولار.
ثمّ سافرتُ إلى أوروبا وزرتُ إحدى تلك المؤسّسات، وأطلعتُ المسؤولين فيها على رسالة هؤلاء الراهبات وكم كانت مهمّةً في مساعدة الشبيبة والجامعّيين ومعلّمي التعليم الدينيّ… كما أخبرتُهم عن العمل الجماعيّ مع باقي الأساقفة. فأجابوني أنّه لا حاجة لكتابة إثنتي عشرة رسالة، لأنّ واحدةً تكفي. وهكذا أعطوني المالَ اللازم وعدتُ سعيدًا وأسعدتُ الباقين. كانت هذه أوّل نواةٍ للأساقفة. نحن الآن خمسة عشر أسقفًا من كاثوليك وكنائس أخرى مختلفة.
برأيكَ، أيُّ أملٍ ترى بالنسبة إلى سينودس الكنائس الأرثوذكسية الذي سيجتمعُ في حزيران المقبل؟
سيجتمع ممثلّون للكنائس الأرثوذكسية للبحث بمشاكل مختلفةٍ يواجهونها داخل كنائِسِهِم ومحاولةِ حَلِّها. وأرى في ذلك رغبةً كبيرةً في الوحدة.
إنّ انعقادَ هذا السينودس هو بحدّ ذاتِهِ علامةٌ مهمّة، إنْ أخذنا بالإعتبار أنّهم لم يستطيعوا أن يدعوا منذ أكثر من ألف سنةٍ إلى لقاءٍ بهذه الأهميّة. كانوا يَوَدّون أن يلتقوا في اسطنبول في كنيسة القدّيس إيريناوس، ولم يكن هذا ممكنًا، فكان من الأسهل اللقاء في كريتا.
هناك بوادرُ إيجابيّةٌ كثيرة، فلديهم علماء لاهوت مثل المتروبوليت زيز بولس من بلغامو، كما لديهم بعض الصعوبات إنّما عندهم أيضًا تَوْقٌ جِدِّيّ إلى الوحدة.
بعض علماء اللاهوت الكاثوليك يتمنّون أن يُعطِيَ السينودس إشارةً لاختيار عيدٍ مُوَحّدٍ لعيد الفصح تتفّقُ عليه جميعُ الكنائس. لن يكونَ ذلك سهلاً، حتّى لو كانت تلك رغبة الكثيرين من المؤمنين الأرثوذكس والكاثوليك. وليس من المستحيل أن نفكّرَ أن نَتَّحِدَ لاحقًا مع إخوتنا الإنجليّين.
كيف يعيشُ الآن، الأب أرمندو، في التسعينَ من عمره، انتظارَ مجيءِ يسوع المسيح؟
منذ سنتين، وفي لقاءٍ مسكونيٍّ للأساقفة قَدَّمْتُ موضوعًا لكيارا لوبيك عن الإفخارستيّا. فَدَرَسْتُ قليلاً ما كَتَبْتُه، وبعد قراءة هذه الصفحات شعرتُ أنّني لم أعُدْ أستطيع أن أتناولَ الإفخارستيّا كما في السابق. في هذه الصفحات كيارا واضحةٌ وضوحَ المعلّمين، تبدو وكأنّها عالمةُ لاهوتٍ أصيلة.
ما هي الكنيسة إنْ لم تكن كنيسة إفخارستيّا، تتحوّل بطريقةٍ إلهيّة؟ الإفخارستيّا نقطةٌ أساسيّةٌ وهي مصدرُ كلّ تَجَدُّد. في الإفختارسيّا يُحَوّلُنا يسوع إلى ذاته، وهذا يفترضُ إذًا المشاركة ويطلبُ مِنّا الفراغَ الذاتيَّ التامّ المُعاش في الإفخارستيّا كرباطِ وِحْدَة.
دون بوسكو برأيي فَهِمَ أهمّيَةَ التخلّي عن كلّ شيءٍ والإفراغ الذاتيّ ورأى في الإعتراف مظهرًا لهذا الفراغ بهدف الإفخارستيّا. لقد وَلَّدَ دون بوسكو عند الكثيرين من شبابه حُبًّا عميقًا لتناول القربان.
الإفخارستيّا أساسُ الكنيسة وقمَّتُها وهي أداةُ الوحدة. في يسوع، يتحوّلُ اللّهُ إلى خبزٍ لِيَدْعونا للمشاركة في ألوهِيَّتِه. المناولةُ هي يسوع الآتي كلَّ يومٍ في الإفخارستيّا، يُحوّلنا إلى يسوعٍ آخَر فنصبح نحن هو، نصبح علامةَ وجودِهِ في عالم اليوم.
إعداد برونو كانتامسّا
web-portrait-10
Spread the love