التجديد في السياسة
عندما قُرّرَ إجراء الإنتخابات البلديّة في شهر أيّار الماضي، بدأ جوٌّ غريبٌ يسودُ المُدُنَ والقرى اللبنانيّة. تنافُسٌ مُذهِلٌ بين العائلات وأبناء القرية الواحدة. صراعٌ بَلَغَ في أحيانٍ كثيرة حَدَّ العداوة والجفاء. وكأنّنا نحن الذين ساهمنا في وضع شرعةِ حقوق الإنسان، نحن الذين ناضلنا ولا زلنا نُناضل من أجل حريّة الرأي، نحن بنسبة المثقَّفين العالية عندنا، وانفتاحنا على الشعوب الأخرى والمعتقدات الأخرى، قد دَخَلْنا في قالبٍ عمره مئات السنين يعود إلى العصور المظلمة من عهد المماليك والعثمانيّين، وخرجنا منه بذهنيّة ذلك الزمان، خاضعين لنظامِ “فَرِّقْ تَسُدْ” منفتحين على عالم الغشّ والرشوة، سائرين كالنعاج وراء زعيمٍ نعرفُ أنّه يُتاجِرُ بمستقبلنا ومستقبل أولادنا. مَنْ صَوَّتَ معنا، كائنًا مَنْ يكون، يصبحُ صديقَنا، ومن لم يُصوّتْ حتّى ولو كان لنا أخًا يُصبحُ عَدوًّا لدودًا نقطعُ معه العلاقات ولا نعودُ ندخلُ بَيْتَهُ حتّى الإنتخابات التالية، حيث يصطلحُ كلّ شيءٍ إذا انْتَخَبَ معي. كلُّ هذا و”الريّس” الذي نجح بصوتنا يضعُنا جانبًا ولا يسأل عنّا حتّى تاتي الإنتخابات التالية.
مذهلٌ أحبّائي كيف نحافظ على هذا الإرث، هذا القالب الحامل داخله أمراضًا كثيرة: التَزَلُّم، الغِشّ، الرشوة، الحقد… دعونا نكسرُ هذا القالب إلى الأبد ونؤمنُ بأنَّ الإنسانَ العتيق بميراثه السياسيّ العائد إلى عصور الإحتلال والظلمة قد مات، وولَّدَ مكانه إنسانًا جديدًا يؤمن بالأخوّة والإنسانيّة، ولَّدَ إنسانًا يعيشُ قِيَمَهُ المسيحيّة والأخلاقيّة في كلّ مظاهر حياته، والسياسة من بينها.
لِنَخْتارْ في أوّل الأمر الإنسان المُثقَّف والنزيه والنظيف الكَفّ لِيُمَثّلَنا. لِنَسْتَغْنِ عن مَنْفَعَةٍ آنيّةٍ نُسمّيها الرشوة طامحين للخير البعيد والكبير للبلد وأبنائه عبر وضع “الشخص المناسب في المكان المناسب”. لنَسْتَغْنِ عن منفعةٍ آنيّةٍ نُسمّيها الرشوة، طامحين للخير البعيد والكبير للبلد وأبنائه عبر وضع “الشخص المناسب في المكان المناسب” . لنستغنِ عن التكتّلات العائليّة التي تُجْبِرُني “بإسْمِ الدم” على انتخاب شخصٍ ضمنيًّا أنا مُقتنعٌ أنَّ مُنافِسَهُ أفضل منه بكثير. فمثلاً في انتخابات “أيّار” انتخبت العائلةُ شخصًا لا يسكن القرية ولا يقصدها إلّا نادرًا، ونجح في حين كان منافسُهُ الذي يسكن “الضيعة” شخصًا مثقّفًا يعمل قبل البلديّة، لخير القرية وهو متفرّغٌ للقيام بِمَهامِه.
كما علينا كأُناسٍ جُدُدٍ أن نَقْتَنِعَ بحريّةٍ كلّ فَرْدٍ في التعبير عن رأيه، ولقد أحببتُ كثيرًا حوارًا جرى بين زوجين يُخبران فيه كيف انتخب كلُّ واحِدٍ منهما الأشخاصَ المُقتَنِعِ بهم حتّى لو الثاني يُخالِفُهُ بالرأي، وكان كلُّ واحدٍ منهما فَرِحًا لأنّه أعطى شريكَهُ حريّة القرار والإنتخاب.
أحبّائي قرونٌ عدّةٌ مَرَّتْ ونحن نعيشُ الحياة السياسيّة بالطريقة التي تناسب المُحتَلّ والمُستَغِلّ حتّى بعد الإستقلال وبعد الحرب اللبنانيّة. أرجوكم إكسروا هذه الدائرة لِتَنْطَلِقوا بخطٍّ مستقيمٍ نحوَ تحقيق العدالة والأُخوّة، والانفتاح واحترام آراء الآخرين وحريّتهم في التعبير عنها، وَوَضْعِ الإنسان القادر أن يخدمَ في المركز المناسب تلبيةً لطلب السيّد المسيح: “من أراد أن يكون فيكم سيّدًا فَلْيَكُنْ لكم خادمًا”.
بقلم ليلى نصّار
صثلا-حخقفقشهف-3
Spread the love