البنت المسيحيّة
وُلدْتُ وترَعْرَعتُ في بيئةٍ مسيحيّة، ولم ألتَقِ أبدًا بأشخاصٍ مِن ديانةٍ أخرى. الآن، وقد دخلْتُ الجامعة، إخْتلطتُ بأشخاصٍ ليس فقط من دياناتٍ مختلفة، لكن أيضًا ببعضِ الذين ليس لهم أيُّ مرجعٍ دينيّ. ومع ذلك وبعفويّةٍ تامّة كنتُ أرسمُ إشارة الصليب عندما يدقّ جرس الكنيسة وأهتُفُ بتلقائيّةٍ “يا عدرا” عندما أواجِهُ صعوبة. سرعان ما لُقِّبْتُ “بالبنت المسيحيّة”، وسَمِعتُ بعض الزميلات تَقلْنَ: “أيُعقَلُ أن يكون هناك أشخاصٌ مؤمنون في يومنا هذا… لقد انتهى زمنُ الأديان! إنّه زمنُ العِلْم”.
في يومٍ سمَعتُ إحدى الزميلات تَنتَقِدُ زميلةً أخرى بعباراتٍ لاذعة. بقيْتُ صامتةً أحاول التغلُّبَ على ردّة فعلي الأوليّة، لكنّها توجَّهَتْ إليّ قائلةً: “وأنتِ ما رأيكِ؟”. أجبتُها: “أعتقد أنّ الإنتقادَ غيرُ مفيد. عليكِ فقط أن تتصرّفي معها بطريقةٍ أفضل”. فأردَفَتْ قائلةً: “أنتِ تتكلّمين دائمًا بالمُسامحة والمحبّة وإظهار الوجه الإيجابيّ!”. أجبْتُها بهدوء: “هذا أقلُّ ما يُمكنُ أن أفعلَه”.
لكن عندما انتهى الدوام، طَلَبتُ منها أن نتكلّم على انفرادٍ وتحاورتُ معها بعمق إذ قلت: “أودّ أن أقولَ لكِ إنّ ربَّنا يسامح، لأنّه محبّة، يُحبّنا، يُحبّكِ حتّى لو لم تؤمني به، وينتظركِ دائمًا. في الإنجيل هناك لحظةٌ مُعبِّرةٌ جدًّا، حين صرخَ يسوع من على الصليب: “إلهي، إلهي لماذا تركتني؟”. لقد عرف هو أيضًا الضعف البشريّ، فكيف بالأحرى نحن؟ يسوع يفهمُنا، يعرفُ ضِعفَنا ويُحبّنا رغم ذلك. نحن أيضًا نحاول أن نُحبَّ مثله”. لم تقلْ شيئًا، فبدأنا نتحدّث عن أمور الجامعة العاديّة. لكنّها في المساء إتّصلَتْ بي قائلةً: “إسمعي، لكن أرجوكِ لا تخبري أحدًا، فتحْتُ لتوّي الإنجيل ورحتُ أقرأُ”.
أنا متاكّدة، أيًّا كانت ديانتنا، حين نعيش بإخلاصٍ إيمانَنا ونكون شهودًا للقِيَم والأخلاق التي تحثُّ عليها الأديان، حينها، لا بدَّ لمن لا يؤمنون أن يعودوا ليلتقوا بالله.
نور – لبنان