إعلامٌ إذن! عندما نتحدّث عن الإعلام المرئيّ والمسموع والمكتوب نتكلّم خاصّةً عن الصحافة والتلفزيون والراديو وعالم التواصل عبر الإنترنت، نستعينُ بهذه الوسائل لإعلامِ المُتَلَقّي بالأفكار والأهداف التي نرغب بأن تصلَ إليه. وككُلّ وسيلة، مُمْكِنٌ أن تُسْتَعْمَلَ للبناء أو للهَدْم، للخير أو للشرّ، فمن اكتشفَ “البارود” مثلاً، كانت نيّتُهُ جَعْلَهُ وسيلةً تخدُمُ الإنسانيّة، فتحوّلت إلى وسيلةٍ للقتل والدمار. وكذلك حالُ من يقومُ بالإكتشافات الطبّيّة بُغْيَةَ خَيْرِ المريض والتخفيف من ألَمِه، فيستَغِلُّها النَفْعِيّون في أمورٍ تؤدّي إلى الموت والهلاك.
ليست وسائلُ الإعلام لِشَحْنِ القلوب ودَعْمِ أُسُسِ البشاعة في النفوس ولا يجب أن يكون همُّها الوحيد الجمهور “السكوبيّ”. الإعلاميّون مسؤولونَ تجاه الحقيقة والخير، وتجاه الله أوّلاً إن كانوا مؤمنين. هؤلاء هم روّاد الإعلام. ومن بين هؤلاء الروّاد أذكر الجمعيّة المصريّة للكتّاب والإعلاميّين الشبّان التي احتفلت بنخبةٍ من الإعلاميّين العرب والمصريّين المتميّزين بفكرهم وكلمتهم وحضورهم المتألّق والمعطاء في هذا الإطار.
دعونا نتعرّف بدءًا على الجمعيّة صاحبة الحدث ومُستضيفة المُكرَّمين.
تأسّست الجمعيّة المصريّة للكتّاب والإعلاميّين الشبّان عام ٢٠٠٠ بفضل رئيسها الكاتب والصحفيّ صفوت محمد ومنذ ذلك الوقت لا ينضب عطاؤها. هي تضمّ في عضويّتها نخبةً من رجال وسيّدات المجتمع المصريّ العاملين في مجال الصحافة والكتابة والتأليف السينمائيّ والسيناريو والإعلام عامّةً. ينطلقُ من هذا القلب النابض بالإبداع حراكٌ ثقافيٌّ وفكريٌّ يمتدُّ ليطالَ كلَّ فئات المجتمع، فينيرَ النفوس بالعلم والثقافة، ويسلّطَ الأضواء على المبدعين والخلاّقين في هذا المجال. تُحدّد الجمعيّة معنى كلمة “شبّان” إذ تقول “هي القدرة على العطاء وليست مرحلة سنيّة محدّدة”. نشاطات الجمعيّة متعدّدة، أذكر منها الندوات وجائزة القلم الذهبيّ للذين آثروا الإنسانيّة بأدائهم الإبداعيّ. ولا بُدّ لي أن أذكر استراتيجيّة عمل الجمعيّة الطويلة الأمد، كإصدار الجريدة الخاصّة بها، وتدريب طلاّب الصحافة والإعلام، والقيام بعمل مشروعات للمرأة وإصدار العدد الأوّل للأدباء والكتّاب… ويجدر الذكر أنّها تخطّط لإمتلاك مركزٍ للإبداع الحضاريّ لكلّ الإعلاميّين في مختلف المجالات من مصر والعالم، فتعقد المؤتمرات لتكون منبرًا للفكر والعلم والثقافة.
أمّا المهرجان الخامس للكتّاب والإعلاميّين الذي حُدّدَ موعدُه في ١۹ أوكتوبر في قاعة الأديب الكبير نجيب محفوظ في مبنى جريدة الأهرام، فقد كان برئاسة الإعلاميّة الكبيرة الراقية، نائب رئيس التليفزيون سابقًا، فاطمة فؤاد، وقد تولّت توزيع الميداليّات الذهبيّة على المُكرَّمين. بعد السلام الوطنيّ، إعتلت خشبة المسرح فرقٌ فنيّة ومغنّون أعادوا الحاضرين لفترة الزمن الجميل ولأصالة الفنّ المصريّ الذي يُطرَبُ له القلبُ قبل الأذن. وعند بدء التكريم ألقى رئيس الجمعيّة كلمة ترحيبٍ عفويّة، ثمّ وبتواضعٍ واحترام، انحنى لجميع رجال ونساء الفكر الموجودين في القاعة. راح بعدها يصطبغُ المسرح بألوانٍ فكريّةٍ متمايزةٍ لرؤساء تحرير صحفٍ مصريّة، ولمُعدّي برامج ومفكّرين ومُخرجين تلفزيونيّين وصحفيّين ومُذيعين وأساتذة إعلام وشعراء ومقدّمي برامج… باختصار، لأصحاب الأعمال المبدعة. بدأ التكريم بالإعلاميّين العرب، ضيوف مصر العريقة، مثل الكاتبة السوريّة ريتا بربارة والإعلاميّة اللبنانيّة ريما السيقلي، والشاعرة الجزائريّة فتيحة عبد الرحمن بقهوالصحفيّة الفلسطينيّة لونا ابو سويرح، تبعهنَّ نخبةٌ مشرّفةٌ من جمهوريّة مصر العربيّة.
في الواقع عالمُنا بحاجةٍ ماسّةٍ إلى علم صحّةٍ فكريّة، إلى إعادة تأهيلٍ تجعله ينتبه أكثر للخير وللإيجابيّات ويعتادُ على ذلك. قد يبدو الإيمانُ بالإيجابيّات ساذجًا أو ضعيفًا وغيرَ مُجْدٍ. إنّه في الواقع قويٌّ وذكيّ، لكنّه لا يُحدِثُ ضجّة، لأنّ قوّتَهُ تكمنُ في عمق صمته فيلمُسَ القلوب ويحفّزَ الطاقات الإيجابيّة الراقدة تحت رماد العالم. ماذا يحدث عندما نعتاد على نشر الإيجابيّات؟ يحدثُ أن يعتاد الناس رويدًا رويدًا النظر إلى الإيجابيّات إلى أن يصبحوا “أتباعًا” لها. كلّ الشكر والتقدير للجمعيّة المصريّة للكتّاب والإعلاميّين الشبّان ولكلّ من يدعو بأعماله لنشر الثقافة والعلم والخير ورفع الإنسانيّة لأرقى المستويات.
ريما السيقلي