الأملُ حياة
“لا تحلو الحياةُ من دون الأمل، فالأملُ حياة
والحياةُ بدون أملٍ موتٌ على قيد الحياة”
يُعرّف الأمل في اللغة العربيّة بالرجاء، ويُستخدمُ لكثرة بالأمور التي نُناشد بها، ونرغبُ في تحقيقها. إنّ الأمل مُحفّزٌ إيجابيٌّ في حياتنا، فنحن نُخطّطُ لتحقيق أهدافنا، فنُوجِّه طاقاتِنا للوصول للغاية المنشودة.
يقول القدّيس توما الأكوينيّ: “إنّ الأملَ يولدُ من الرغبة في شيءٍ جيّد، صعبِ المنال، ولكن من الممكن تحقيقه”.
الأمل هو مفهومٌ رئيسيٌّ في العديد من الأديان في العالم. في التقليد المسيحيّ، الرجاء، أي الأمل، هو واحدةٌ من الفضائل الثلاث اللاهوتيّة، تترافقُ مع الإيمان والمحبّة. حين يُقدّم الله وعدًا، الإيمانُ يصدّقُه، والرجاء يتوقّعه، والصبرُ ينتظرُه!
من مقولات جبران خليل جبران في هذا الصدد:
“بعضُنا كالحبر، وبعضُنا كالورق، فلولا سوادُ بعضِنا لَكانَ البياضُ أصمّ، ولولا بياضُ بعضِنا لكانَ السوادُ أعمى”.
“ما أنبل القلب الحزين الذي لا يمنعُهُ حزنُهُ على أن يُنشِدَ أغنيةً مع القلوب الفَرِحة”.
ولكنّي اخترتُ لكم مقطعًا من قصيدةٍ للشاعر اللبنانيّ إيليّا أبو ماضي تحدّثنا بأسلوبِها الحواريّ وصورها البلاغيّة عن معنى الأمل:
“قال: الليالي جرَّعتني علقما                       قلتُ: ابتسِمْ ولَئِن جرعتَ العَلْقما
فلعلَّ غيرك إن رآك مُرنّما                             طرح الكآبةَ جانبًا و ترنَّما
أتُراك تغنم بالتبرُّمِ درهما                             أم أنتَ تخسرُ بالبشاشة مغنما
يا صاحٍ، لا خطر على شفتَيْكَ أن                   تتثلّما، والوجه أن يتحطّما
فاضحكْ فإنّ الشُهبَ تضحكُ والدجى              متلاطمُ، ولذا نُحبُّ الأنْجُما”
كتبها الشاعر اللبنانيّ إيليّا أبو ماضي عام ١۹٤٨ لتحملَ معاني التفاؤل والأمل. إنّه حوارٌ رائعٌ يجري بين الشاعر ومَن هو في حالة يأس، إذ يُشبِّهُه بالسماء الكئيبة المتلبّدة بالغيوم، ولكنّه ينبّه صديقه إلى الشهب التي تسبح في قلب تلك السماء وتتداخل مع ظلام الليل لتُضحِكَ وتُنيرَ علينا عتمةَ لَيْلِنا. من هنا دعوة الشاعر لصديقه: إبتسمْ وابقَ على الأمل والتفاؤل وأنتَ في خضمّ الألم، لتكونَ مصدر رجاءٍ للآخرين. ما أجمل دعوة المحبّة هذه لِنَفْضِ السلبيّة والتشاؤم! هي دعوةٌ للإستمرار، فالألمُ انطلاقةٌ جديدة، والموتُ حياة. .
يُظهر علمُ النفس أيضًا اهتمامًا كبيرًا بالأمل. أظهرت بعض الدراسات أنّ الأملَ يمكن أن يكون جُزءًا مهمًّا في عمليّة الشفاء من المَرَض مع فوائدَ نفسيّةٍ وقويّةٍ للمرضى، ممّا يساعدهم على التعامل بشكلٍ أكثرَ فعاليّةٍ مع أعراضهم. يصفُ علمُ النفس الأملَ بأنّه ليس مجرّد أمنيةٍ أو تفاؤل، إنّه ليس عاطفةً أو إحساسًا، بل هو طريقةُ تفكير، إنّه عملٌ ذهنيٌّ يمكن تعلُّمه وممارسته. الأمل هو قوّةٌ للعمل من أجل مستقبلٍ أفضل.
يتكوّن الأملُ من ثلاثة أشياء: الأهداف، والمسارات، والإرادة، الإرادة لمواجهة المِحن بشكلٍ خاصّ. مسارُنا هو إذًا حبٌّ متجدّدٌ نقوم به معًا من خلال التضحية بأنفسنا، وخدمة بعضنا البعض. أمّا إرادتُنا فيُمكِنُنا الحفاظُ عليها من خلال وفائنا في القيام بأعمالٍ صغيرةٍ مُفعمةٍ باللطف والرأفة، مثل التواجد في فرح وأحزان الآخرين، ومدّ يد الصداقة، والمشاركة بوجبةٍ مع شخصٍ ما.
في يومٍ رأيتُ لافتةً تقول: “هناك دائمًا أمل”. ما أجملها من عبارة، فهي تُلهمُ المارّةَ كما فعلت بي، ليس فقط للكتابة، إنّما للبدءِ دائمًا من جديد، وجعل فضيلة الأمل ممارسةً يوميّةً تنير سماء حياتنا وحياةٍ من حولنا.

ريما السيقلي

Spread the love