إيمان ورجاء ومحبّة
لا يُعتبَر الشرق الأوسط اليوم منطقةً ساخنةً وحسب، بل منطقةً تغلي بالثورات والحروب والتهجير والنقص في الأمان وانعدام الاستقرار. ولقد أصابت لبنان بعضٌ من شظايا المنطقة، فتدفّق ملايينُ المهجّرين إليه، ووقفت العجلة الاقتصاديّة والسياسيّة، فبقي سنتين ونصف السنة من دون رئيس. ولكن، جماعاتٌ كثيرةٌ لم تَفْقِدِ الرجاء، فتكثَّفتِ الصلواتُ من أجل السلام، وتضافَرَتْ أيادي الخير للمساعدة، وفي وقتٍ غير مُتوقّع إنْفَكّتِ العُقَدُ وفُتِحَت الطرقاتُ إلى قصر بعبدا وجاء الرئيس.
وكم كان مؤثّرًا الفرحُ الذي ملأ القلوب، والتفاؤلُ الذي تغلّبَ على يأس الكثيرين، وتُرْجِمَ كلُّ ذلك على الأرض بجوّ العيد. لسنواتٍ لم يكن العيد إلّا ذكرى ومناسبةَ تضرُّعٍ لتغيير ظلمة الواقع، أمّا هذه السنة فزُيّنَت البيوت والشوارع بزينة الميلاد، وأُضيئَت “الشجرة” في معظم المناطق ونحن بعدُ في آواخر تشرين الثاني. واتَّفَقَ اللبنانيّون، مسلمون ومسحيّون، على مساعدة البلد في النهوض. ومع إضاءة الزينة اشتعل مصباحُ الأمل وَسَطَعَ نورُهُ.
يتكلّم القدّيس بولس عن ثلاث مسلّمات يجب أن تتوفّر لدى المؤمن وهي: الإيمان والرجاء والمحبّة. نحن نعيشُ في أرضٍ، كَثُرَ الإيمانُ فيها، فأَنْبَتَتِ القدّيسين. شعبُنا شعبٌ مُلتزمٌ بإيمانه، كلٌّ على دينه، فكنائِسُنا وجوامِعُنا تغصُّ دائمًا بالمُصَلّين. وإنّي على ثقةٍ بأنّ هذا الإيمان لم يَنْقُلِ الجبالَ وحسب، بل حمى لبنانُنا وأعاد إليه سيادته.
أمّا الرجاء، فهو ثمرةُ هذا الايمان؛ “لبنانُ وَقْفُ الله”، لبنانُ مكرّسٌ لــ”سيّدة لبنان”. كيف نَيْأَس ونحن نُؤمن بأنّ يدَ الله معنا،
وبأنّه يرعانا ويحمي وطننا. ولهذا دخل اللبنانيّون بسرعةٍ في الفرح والأمل. كانوا على يقينٍ بأنّ الربَّ المُحِبَّ والقادِرَ سَيَحْمي أرزَهُ ووقفَه. كلُّ لبنانيٍّ يعيشُ وفي قلبه حبُّ اثْنَيْن: اللهُ والوطن. أَوْكَلَ الأوّلَ بالثاني فتحقَّقَت المعجزة. ها نحنُ على أبواب ميلادٍ يُوَلّدُ في قلبنا الفرح، وفي أرضنا، ومع الجمهوريّة الجديدة، يمنَحُنا الرجاء.
والمحبّةُ هي، بحسب القدّيس بولس، الأعظم لأنّها تبقى معنا إلى الأبديّة. هذه المحبّة تجلَّتْ بالوحدة بين أَفْرِقاءَ فرّقتهم السياسة. فإذا بالأَعلام المختلفة للأحزاب تجتمعُ في ساحةٍ واحدةٍ وسيّارةٍ واحدة. وحدها المحبّة، والخوف على مصير البلد، جمعَ كلَّ الأحزاب وكلَّ الطوائف في باحة القصر الجمهوريّ.
أحبائي، يا من تؤمنون بالله، قوّوا إيمانكم ورجاءكم بمحبّته وقُدرته غير المحدودة. ضعوا مصلحةَ هذا البلد فوق كلّ المصالح. وضعوا قانون المحبّة الذي يدعو إلى بَذْلِ الذات محبّةً بالآخَر فوق كلّ اعتبار، حتّى يبقى هذا البلدُ نموذجًا يُحْتَذى بتعايُشِ أبنائه ورسالةَ محبّةٍ تُنيرُ الشرق كلّه.
بقلم ليلى نصّار