إلى هذا الحدّ
توافقني إن قلت “لا وجودَ لك وحدك”، كفردٍ منعزل. يكفي أن تفكّر إلى أيّ مدى كوَّنت البيئةُ التي ترعرعتَ وتنشّأتَ فيها منذ نعومة أظافرك المعرفةَ التي اكتسبتَها اليوم، وأعطتك مقاربةً للواقع الذي تؤمن به. هذا يعني أن كلّ كلمة، وبالتالي كلّ معرفة، تشيرُ إلى حوارٍ مع الآخرين. إنْ كان الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يملكُ لغةَ المخاطبة والكلام، فذلك تحديدًا لأنّه كائنٌ إجتماعيّ يشعر بحاجةٍ ملحّةٍ إلى الروابط الإجتماعيّة التي تجعله على تواصلٍ بالآخرين. كلُّ كلمةٍ تشير إلى اثنين، تشير إليّ أنا الذي أتحدّث، وتشير إلى الشخص الذي أتحدّث إليه، كلّ كلمة إذًا تشيرُ إلى الآخر.
إنّ العلاقة بالآخرين هي بالتالي أمرٌ جوهريّ. فكيف أسمح لنفسي أن أفرض على الآخر حقيقة ما أقول، متغاضيًا عن أنّ ما اكتشفتُه وعرفتُه هو ثمرةُ مشاركة الآخَر فيه، فالآخَر هو من ساهم معي بتكوين معرفتي. لذا حينما أقترح وأقول شيئًا، عليّ أبقى منفتحًا، سامحًا للآخر أن يدخل إلى عالم حقيقتي، فيستكمل بوجوده وكلامه الحقيقة الني اكتشفتها، فيصبح أفقها أوسع بكثير.
وكيف بعدُ أستطيع أن أسمحَ لذاتي بإطلاق الأحكام على الآخرين! فحذاري من فوضى وعشوائيّة كلامي… وحذاري في المقابل من “عولمة اللامبالاة” التي ” تجعلني ببطء” أتعوّد”على معاناة الآخرين، فلا أعود مكترثًا لما يدور حولي طالما أنّه، حسب اعتقادي، لا يمتّ إليّ بصلة.
ريما السيقلي
Spread the love