إلى السلام
«طوبى للساعين إلى السلام، فإنّهم أبناءُ الله يُدعون» (متى ٥، ٩). مَن هم «الساعون إلى السلام»؟ ليسوا الذين يحبّون الطمأنينة، ولا يتحمّلون المشاجرات، ويتظاهرون بطبيعةٍ سمحاء، ولكنّهم يخفون غالبًا رغبتهم بألاّ يزعجهم أحد. «الساعون إلى السلام» ليسوا حتّى الأشخاص الطيّبين، الذين بفعل ثقتهم بالله، لا يقومون بِرَدَّاتِ فعلٍ عندما يُستفزّون أو يُهانون. «الساعون إلى السلام» يحبّون السلام إلى درجةٍ تجعلهم لا يخافون التدخّل في منازعاتٍ بُغيةَ نقلِ السلام لِمَن هم في خلاف.بإمكاننا أن نكون حملةَ سلامٍ إذا كنّا نمتلكُه في داخلنا. علينا أن نكون حملة سلامٍ قبلَ أيّ شيء، بسلوكنا في كلّ لحظة، ونحن نعيش باتّحادٍ مع الله، مُتمّمين مشيئته.
إنّ الساعين إلى السلام يبذلون جُهدَهم لخَلقِ روابطَ تهدفُ لإقامةِ جسورٍ بين الأشخاص؛ يعملون على إزالة التوتّر وحالاتِ الحرب الباردة المألوفة في العائلات، في العمل، في المدرسة، وعلى ملاعب الرياضة وبين الأمم الخ…
لربّما والدُكَ لا يُوّجه الكلام البتّة لعمِّكَ، منذ أن تنازعا، ومن المحتمل أن يكون الأمر حصل من زمنٍ بعيد، أو أنّ جدَّتَك لا تتكلّم البتّة مع الجارة الساكنة فوق بيتها لأنّها تُحدث ضجيجًا. أنتَ على علمٍ بالمنافسة القائمة بين بعض زملائك في العمل، أو ربّما كنتَ في حالة تشاجرٍ مع رفاق صفّك. المطلوب هو إصلاحُ علاقاتٍ هي غالبًا متوتّرة وحتى لا تُحتَمَل، ويمكن أن تؤدي إلى الحرب، إذا لم نكن قد أوصلتنا إليها.

يسعى المؤمن لإقامة علاقاتٍ صادقةٍ مع كلّ الذين بجانبهم أو يصادفهم، فتكون علاقاتٍ بعيدةٍ عن العنف.
يا لها من ثورة! أن نعمل لإقامة صلاةٍ كهذه في العالم. فالموجود في المجتمع هو، على العموم، بعيدٌ كلّ البعد عن هذا تمامًا. عرف يسوع بأنّ الأمر على هذا الشكل، لهذا طلب إلى تلاميذه أن يقوموا دائمًا بالخطوة الأولى، دون أن ينتظروا بالمقابل شيئًا، لا مبادرة الآخر ولا استجابته: «أمّا أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم… وإن سلّمتم على إخوانكم وحدهم، فأيُّ شيءٍ غريبٍ فَعَلْتُم!» (متى ٥،٤٤-٤٧).

جاء يسوع يحمل السلام. رسالته، وحياته تأخذان كليًّاً هذا الإتّجاه. «فإنهم أبناء الله يُدعون». أن نقبل إسمًا يعني أن نصيرَ ما يعنيه الاسم. بولس سمى الله «ربّ السلام»، وكان يُوجّه إلى المسيحيّين هذه التحيّة: «ليكُنْ ربُّ السلام معكم جميعًا». فالساعون إلى السلام يُشيرون إلى أنّهم من عائلة الربّ. إنّهم يتصرّفون «كأبناء الربّ». يشهدون أنّ الله، كما يقول المجمع الفاتيكانيّ الثاني، أدخل في مجتمع البشر نظامًا ثمره السلام.

كيف نعيش هذه الكلمة؟ قبل كلّ شيء بنشرنا المحبّة في العالم كلّه. إنّه لعلامةٌ فارقةٌ أن تُمْنَحَ امرأةٌ فريدةٌ جائزة نوبل للسلام! هي الأمّ تريزا ده كلكوتا، التي لم تأتي عملاً في حياتها غير المحبّة. ثمّ يمكننا التدخّل بحكمةٍ عندما يُهدَدُّ السلامُ حولنا. وغالبًا يكفي أن نُصغيَ بمحبّة، وحتّى النهاية، إلى الذين يعانون تشوّشًا، فنجد حينذاك، الوسيلة لإقامة السلام، ولا نمنح ذواتنا فرصةً للراحة قبل إحياء علاقاتٍ انقطعت غالبًا لسببٍ تافه.
لتقليص التوتّرات، ثمّة طريقةٍ لا غنى عنها، وهي الدعابة. ففي نصٍّ من التقليد الربّانيّ نقرأ: «الملكوت الآتي يخصّ الذين يمزحون بطيبة خاطرٍ لأنّهم يسعون إلى السلام في وسط الذين يتخاصمون».
يمكننا أيضًا السعي إلى السلام ونحن نقيم أعمالاً تهدف إلى إدراكٍ أعمقٍ لِكَوْنِ السلام ضرورة، أو ندعم، ضمن الممكن، عملَ الذين يسعون إلى السلام باندفاعٍ كبير. المهمّ هو أن لا نعيشَ الأيّام الباقية لنا دون أن نُتمِّمَ شيئًا ما للآخرين، ومن غير أن نستعدَّ إلى الحياة التي تنتظرنا.

كيارا لوبيك

Spread the love