إختيار الحلّ الأصعب
كيف يمكن حلّ الصراعات التي تنشب وبشكلٍ خاصّ داخل الجماعات؟
كلّ الجماعات هي عرضةٌ للصراعات. يعتمد صلاح هذه الجماعات وبقاؤها على قدرتها في إدارة الصراعات. أشكالُ الصراعات كثيرة. حتّى الكتاب المقدّس يعرف العديد منها، الصراع بين قايين وهابيل، حيث تحوّل الإحباط العاموديّ (بين قايين والله الذي لم يتقبّل تقدِماتِه) إلى عنفٍ أفقيٍّ (تجاه هابيل). نذكر أيضًا الصراع بين يوسف وإخوته ممّا دفعهم للتخلّص منه، وبين ابراهيم وابن أخيه لوط بسبب وِفرَةِ الموارد في مساحةٍ مشتركةٍ وضيّقة، والذي حُلَّ بفضل كَرَمِ إبراهيم الذي ترك لِلوط اختيار الأرض التي يريد.
أمّا الصراعُ بين داوود وشاوول فيأخذُ شكلاً آخرًا. كان قد اختارَ الله شاوول ليكونَ أوّلَ ملوك إسرائيل ثمّ تبرّأ منه نتيجة عصيانه، واختار داوود كبديلٍ له، ممّا أدّى إلى نشوب حربٍ حقيقيّةٍ بين الإثنين، إنتصر فيها داوود. ما حدث بين داوود وشاوول هو نموذجٌ للصراع الذي ينشأ، بشكلٍ عام، بين شخصٍ تلقّى دعوةً حقيقيّةً للقيام بمهمّةٍ ما، وبين شخصٍ يؤدّي نفس المهمّة لأنّه كان قد دُعِيَ إليها مِن قَبل، فيشكّل الشخص الجديد تهديدًا له. هذا النوع من الصراعات مؤلمٌ لِكِلا الطرفَيْن لأنّ كلَّ واحدٍ يعتقد، وعن حقّ، أنّه في مكانه الشرعيّ.
لا يمكن حلّ هذه الصراعات إلّا باستسلام أحد الطرفَيْن، وقد لا تُحلّ أو تُحلّ بعد فوات الأوان، فيتسبّب ذلك بأضرارٍ متبادَلةٍ خطيرة… قصّة الحرب بين داوود وشاوول تعطينا نموذجًا لإدارةٍ ممكنةٍ لهذه الصراعات المُدَمِّرة. دعونا ننظر إليها عن كثب.
كان شاوول يطارد داوود. بلغَه أنّ داوود موجودٌ في المنطقة، فخرج بثلاثة آلاف جنديٍّ لإصطياده. في الطريق دخل شاوول مغارةً ليقضيَ حاجته. لكنّ داوود ورفاقَهُ كانوا مُختَبِئين في عمق تلك المغارة. حثَّ الرفاقُ داوود على اغتنام هذه الفرصة الذهبيّة للقضاء على شاوول وهو في هذا الموقف الضعيف (وحده ومِن الخلف). لكنّ داوود اقترب من شاوول وبدَل أن يقتلَه “قطع طرَفًا من رداء شاوول دون أن يشعر شاوول به”، وقال لرفاقه: “يحفظُني الربُّ مِن أن أفعلَ مثل هذا الأمر بسيّدي، فأمُدَّ يدي عليه”. كم هو جميلٌ ذلك الطرف من الرداء في يد داوود الذي حلَّ مكان الخنجر! يرى داوود شرّ شاوول لكنّه يحترمه، وعندما أُتيحَتْ له الفرصة لقتله لم يفعل. فضّل البقاء في الصراع بدلًا من الحلّ الأسهل الأقلّ صدقًا.
إنّها دعوةٌ لنتعلَّمَ كيف نعيش التناقض ونرعى الصراعات ونفضّل الحلّ الأصعب ولكن ذاك الصحيح!
لقد اخْتيرَ داوود ومُسِحَ ملكًا وهو لا يزالُ شابًّا. وفي يوم من الأيّام أصبح ملكًا وكان أعظمهم جميعًا. إنّ الولاءَ المُكْلِف والسخيّ الذي أظهره في صراعه مع شاوول جَعَلهُ الملك المحبوب على الرغم من أخطائه وخطاياه الجسيمة.
نحن أيضًا، بعد ارتكابنا الأخطاء والخيانات، نأمل أن يغفرَ اللهُ لنا، وتغفرَ الحياة لنا، إذا كنّا قادرين على احترام عدوّنا ولم نستغلّ ضعفه رغم قوّتنا. لِنحاولْ أن نفعلَ ذلك ولو لمرّةٍ واحدة.
لْويدْجينو بروني

إقتصاديّ وكاتب مقالات ثقافيّة وفلسفيّة

Spread the love