منذُ حوالي العشر سنوات، بعدما اكتشفتُ دعوةَ الرب لي أن أكون كاهنًا يخدمُ أسرارَه وشعبَه، صارحتُ أبي بالموضوع فرحّبَ كثيرًا ولكنّه طلب منّي أمرين: أوّلًا أن اتزوّج وأؤسّسَ عائلةً مسيحيّة ملتزمةً وثانيًا ألّا أغيّرَ اسمي لأنّه نذرني منذ الطفولة لمار الياس. لم أعِرْ طلبتيه اهتمامًا لأنّني في أوّل الطريق، وعندما يحينُ الوقت، الربُّ سيكشفُ لي إرادته. ولكن قبل رسامتي الشمّاسيّة بشهرٍ واحد، عدتُ إلى أبي وقلتُ له: “أبي أنا أعتذر ولكنّني قرّرتُ ألّا أتزوّج وأرغبُ بتغيير اسمي علامةَ حياةٍ جديدةٍ وهويّةٍ جديدةٍ”. فقال لي بكلّ غضب: “لا تريدُ أن تتزوّجَ هذا خيارُكَ، ولكن لا ولن أرضى أبدًا عنكَ إذا غيّرتَ اسمَكَ”. وفي هذه اللحظة، تسألتُ: “هل يمكن أن يكونَ إصرارُ أبي علامةً من الربّ كيّ لا أغيّرَ اسمي؟ وأنا، ماذا أعرفُ أصلًا عن مار النبيّ إيليّا؟ لذا أردتُ أن أتعّرفَ بالعمق على شفيعي. بعد فترةٍ، قرّرتُ الاحتفاظَ باسمي لأنّني اكتشفتُ إنّ اختبارات هذا النبيّ تشبهُ إلى حدٍّ كبيرٍ اختباراتي وسأعرضُها لكم انطلاقًا من أقوالٍ ثلاثةٍ للنبيّ إيليّا.
1-حيٌّ هو الربُّ الإله الذي أنا أعبدُهُ (۱مل ۱۸: ۱ )
إنّها العبارةُ الأولى التي قالها النبيُّ إيليّا في سفر الملوك الأوّل وفي الوقت نفسه إنّه اختباري الإيمانيّ الأوّل. كان ليسوعَ مكانةٌ في حياتي: أصلّي، أشاركُ في الذبيحة الإلهيّة، آتي إلى المنظّمات الرعويّة، ولكن أفعلُ كلَّ هذا لأنّ أهلي شجّعوني وعلّموني ذلك. وفي عمر المراهقة، لم يَعُدْ يسوع مجرّد إلهٍ بل هو إلهي، لم يَعُدْ مجرّد مُخلّصٍ هو مخلّصي، لم يَمُتْ فقط من أجل البشر بل من أجلي أنا ومن أجل إعطائي ملء الحياة. لذلك، إذا سألني الربُّ كالرُسُل: “من أنا بالنسبة إليك؟” ، أصبح لديّ الشجاعة كي أقولَ على مثال بطرس الرسول: “أنت هو المسيحُ ابنُ اللهِ الحيّ” (مت ۱٦:۱٦). نعم، أنا أؤمن مثل إيليّا بأنّ اللهَ معي وهو حاضرٌ في حياتي.
2- ما بالكم تعرّجون على الجانبين: إذا كان الربُّ هو الإله فاعبدوه وإذا كان بعال هو الربّ فاعبدوه؟(۱ مل ۱٨: ۲۱)
هذه العبارة قالها النبيّ إيليّا للشعب على جبل الكرمل قبل أن يتمَّ “تحدّي المحرقات” بينه وبين كهنة بعال لأنّه رآه ضائعًا، متردّدًا بين اتّباع الله واتّباع بعال. وأنا أيضًا عندما اكتشفتُ دعوتي في عمر المراهقة، وقعتُ فريسة الضياع: أريدُ الله ومشروعَهُ وأريدُ في الوقت نفسه العالم ومغرياته.آه! كم تُشَجّعُنا ثقافة اليوم على عيش “الرماديّ” في حياتنا بدون اتّخاذِ خيارٍ جذريّ: أتزوّجُ وأخرجُ مع عشيقتي، أذهبُ إلى الكنيسة وأسرق. والحلّ؟ يقول الربّ “من ليس معي فهو عليّ ومن لا يجمعُ معي فهو يُبَدّد”(مت ۱۲: ٣٠) . لقد فهمتُ أنّه إذا أردتُ أن أعلنَ البشارة يجب أن أسمح لكلمة الله أن تكونَ كسيفِ إيليّا في حياتي، تفصلُ الحقَّ عن الباطل وإلّا أكون كاذبًا ومُنافقًا. كيف أستطيعُ أن أذهبَ وأبشّرَ أقاصي الأرض، وأقاصي كياني أي عقلي وقلبي وأحاسيسي لم تُبَشَّر حقيقةً بكلمة الله؟، ففاقدُ الشيء لا يُعطيه ولا يُعلنُه.
3-لأنّ بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف فبقيتُ أنا وحدي وهم يطلبون نفسي (۱ مل ۱۹: ۱٠)
بعد الانتصار الذي حقّقه النبيّ إيليّا على كهنة بعال، هدّدته الملكة إيزابيل بالموت، عندها خاف وهرب. نعم، طريق الرسالة ليست مفروشةً بالورود، فكلُّ الأنبياء في العهد القديم الذين أعلنوا كلمة الحقّ اضُطهدوا ورُفضوا. وهذا ما أَخْتَبِرُهُ أيضًا، فعندما أقولُ للناس: “أنا إكليريكيّ”، أتعرّضُ للرفض وللسخريّة أحيانًا، أو عندما أرى ضعفي أخافُ وأقولُ للربّ: “لماذا اخْتَرْتَني؟ أنا ضعيف، أنا خاطىء”. ولكنّ كلمةَ الربّ لِبولُسَ تتوجَّهُ لي شخصيًّا: “تكفيك نعمتي فبالضعف تَظْهرُ قوّتي”(۲ قور ۱۲: ۹)، عندها أقول أمام الجميع: “أنا قويٌّ بالذي يُقّويني”( فل ٤: ۱٣).
أنا بحاجةٍ دائمًا لقوّة الله كي أُتابِعَ الرسالة على مِثال إيليّا الذي قوّاه الملاك وأرسلهُ من جديد. وما أجمل من الزادِ السماويّ الذي يُعطى لنا في كلّ ذبيحةٍ إلهيّة: كلمة اللهُ المُحْيِيَة وجسد المسيح ودمه الأقدَسَيْن لاختبار هذه القوّة.
في النهاية، من يؤمنُ بحضور الله الحيّ في حياته، من يُعلِنُ كلمةَ الله، كلمةَ الحقّ ويَتَسلّحُ بقوّتِهِ هو مِثلُ مار الياس “حيٌّ” للأبد لأنّه قادرٌ أن يقولَ مع القدّيس بولس: “لستُ أنا الحيّ بل المسيح حيٌّ فيَّ” (غل ٢: ٢٠). آمين.
الأب إيلي أسعد