أن لا يكون هناك من شرط
السلام عليكم،
إسمي عمر من الأردن، نشأتُ في كنف عائلةٍ متديّنة، ولكن ليست متعصّبة، ودأبَ والدي على زرع الأخلاق الحميدة فينا واحترام الإنسان وإعطاء الحقوق للآخر بغضّ النظر عمّن هو.
تعرّفت على الفوكولاري من خلال صديقتي بالجامعة. كانت تدعوني إلى لقاءات الفوكولاري دائما. بالبداية لم أكن أستوعب ما يجري، ولكن كنت على ثقةٍ من وجود هدفٍ سامي، وخصوصًا أنّ الدعوة جاءتني من شخصٍ أثق فيه بدرجةٍ عالية. إنطلقت الشرارة عندما شاركت بلقاءٍ صيفيّ، جعلني أتفهّم قيمة هذا الأسلوب الحياتيّ وقيمه، وكان ذلك منذ أكثر من ١٥ سنة.
إنّ أكثر ما جذبني هو تقبُّلهم لي كما أنا، فلم يسألني أحدٌ عن تفاصيل حياتي أو عمّا أملك أو حتّى عن هويّتي الدينيّة، ولم يستبق أحدُهم الحكمَ عليّ، بل كان الإصغاء التامّ عنوانَ حديثنا سويّة، كما أنّي أدركتُ كم تتماشى القيم والمبادئ الموجودة والمُعاشة مع ما هو موجودٌ بالدّين الإسلاميّ أوّلاً، ومع القيم المجتمعيّة ثانيًا. وما أثّر بي هو التركيز على احتفاظنا بهويّتنا وبأن نكونَ عبادًا صالحين، مسلمين ومسيحيّين ملتزمين كلٌّ بديانته. وبالتالي صارت علاقتي بالله أقوى، والتزمتُ أكثر وأكثر بديني.
كل ذلك ساعدني كي أقف على قاعدةٍ صلبةٍ في علاقتي مع الله، وبالتالي ساعدني للإنطلاق نحو الآخر والحوار معه بغضّ النظر عن مرجعيّته أو دينه.
أعملُ حاليًّا بمؤسّسة الكاريتاس، وهي مؤسّسة مسيحيّة كاثوليكيّة، والمثير بالموضوع أنّ المسيحيّين بالأردن يُعتبرون أقليّة، لكنّي بالكاريتاس من الأقليّة المسلمة التي تعمل هناك، وهذا الأمر لم يشكّل أي صعوبةٍ، كون أهداف هذه المؤسّسة نبيلة وسامية وغايتها خدمة الانسان بغضّ النظر عن دينه أو عرقه أو جنسيّته أو انتمائه.
في بداية المشوار كنّا في مرحلة بناء الثقة المتبادلة، والاحترام ركيزة هذه الثقة – فأنا أنتمي لبلدٍ يقع في منطقةٍ ساخنةٍ في العالم، لكنّ العيش المشترك هو عنوانه – لذا وتدريجيًّا أصبحت علاقتي مع رفقائي بالعمل عميقه وأخويّة، وأصبحت الثقة بيننا عالية ، نتشارك الهموم والأفكار، نتناقش ونتحاور في أمورٍ عدّة، حتّى تلك التي لم نكن نمتلك الجرأة للتحدّث بها.
و لا بدَّ أن أؤكّدً على أنّ الخبرة التي أعيشُها معهم هي خبرةٌ غنيّةٌ جدًّا، فقد نختلف بالدّين والعقيدة والمذهب، لكن هناك الكثير من الأمور التي تجمعنا وأهمّها أنّنا بشــر .
عندما يكون الإنسان في علاقةٍ صلبةٍ مع ربّه ودينه، يمكنه أن ينطلق نحو الآخر دون خوفٍ أو شكّ، دون أن يظنَّ بأنّ الآخر يبغي أن يُبدّلَ بمعتقداته، دون أحكامٍ مسبقة، بل بكامل الاستعداد للإصغاء والحوار البنّاء.
وما شرط الحوار؟ أن لا يكون هناك من شرط …
وما نتيجة الحوار؟ إنّه الســــلام!
هذا السلام دخل أيضًا قلب عائلتي. كنتُ ولينا (زوجتي) على توافقٍ تامّ في هذا الشأن، لذا أردنا أن تكون حياتنا وحياة أولادنا مبنيّةً على فكر وحياة الفوكولار. ساعدنا ذلك في التصدّي للكثير من المواقف خصوصًا في ما يتعلّق بالتواصل مع الأشخاص بدءًا بالعائلة وصولاً للجيران والعمل… و انعكس هذا الأمر كذلك على تربية أولادنا (زيد و ماريا و سند)، فنحن كأسرةٍ مسلمةٍ لدينا شعائرنا التي أمرنا الله بأدائها، كما أنّنا نحترم إخوانَنا من الديانات الأخرى. هذه هي المبادىء التي نريد غرسها في أولادنا، أن لا يستبقوا الحكم على الآخر، بل أن يقبلوه كما هو، وأن لا يكون اختيارُنا لأصدقاؤنا مبنيًّا على أساسٍ عرقيّ أو دينيّ، فكلُّنا بشر.
في إحدى المرّات كنت مع ابني زيد في صلاة الجمعه، وقام الخطيب بمهاجمة إخوتنا المسحيّين، وبعد انتهاء الصلاة، كان ابني مندهشًا ومستغربًا، فسألني: “أبي، هل المسيحيّون أشرار؟ فأجبته طبعًا لا، حينها أبلعني قائلاً بأنّ أفضلَ صديقٍ له بالمدرسة هو مسيحيّ، فقلت له “إذًا هو أفضل صديقٍ لك وما دمتَ تجدُ صديقَكَ أحسنَ شخصٍ بالنسبة لك، فلا تصغِ لأيِّ كان. لا فرق بين الناس، والمطلوب منّا هو عيش وتطبيق ما طلبه الله منّا”. وسألني لماذا قال الخطيب ذلك؟ فأجبته بأنّه كان متضايقًا، ولغاية اليوم ما زال زيد على علاقةٍ وطيدة بصديقه، ونحن نعتبرُهُ إبنَنا الرابع.
ومن أهمّ النشاطات التي قمنا فيها، زيارتنا كعائلة لإحدى العائلات المسيحيّة المهجّرة من الموصل في العراق والتي تركت أثرًا عميقًا في نفوس الأشخاص، حيث تفاجأت الزوجة حين عرفت بأنّنا مسلمون وقالت لزوجتي لينا: “أنتم مسلمون؟ كيف بكم أن تساعدونا؟”، فأجابتها لينا: “نعم، نحن مسلمون ونحبّكم ونريد مساعدتكم”.
إنّ طريقة العيش هذه هي خيار ترسّخت فينا مع الفوكولاري، ونحن نسعى دائمًا بعيشها مع أولادنا حتّى ينشأوا على المحبّة غير المشروطة، وعلى مساعدة الآخر واختيار الأصدقاء القائم على الأخلاق الحميدة.
مع الشكر،
عمر