أنوارُ مريم
أضاءت أنوارُ مريمَ أنحاءَ كنيسةِ مار يوسف، وعمّت بركاتُها كلّ الأرجاء… لكأنّ السّلام والحبّ الذي تنشره قد أرخى ظلاله على كلّ الحاضرين، فلا ترى غيرَ ابتساماتِ ودادٍ وعيونٍ تشعُّ حنانًا ورحمة.
وفي أجواء الصيام عند المسيحيّين والمسلمين، وفي عيد بشارة العذراء مريم كان هذا اللقاء في باحة كنيسة مار يوسف – الكرسيّ الأسقفيّ – قرنة شهوان برعاية سيادة المطران أنطوان بو نجم، راعي أبرشيّة أنطلياس المارونيّة وحضور فضيلة الشيخ ربيع قبيسي، ومعالي الوزير ابراهيم شمس الدين، والنائب الأسقفيّ العام المونسنيور شربل غصوب، ومؤسَّسة أديان، ومرشدي راعويّة الشبيبة، وحشدٍ من المؤمنين.
إستُهلَّ
اللقاء بالآذان وال Ave Maria، ثمّ بصلاة الأبانا وقراءة سورة الفاتحة، ثم قراءة الإنجيل المقدّس وتلاوة القرآن الكريم، آياتٍ من سورة آل عمران.
‎ألقى بعدها سيادة المطران بو نجم كلمةً دعا فيها إلى التركيز على الجوهر وعلى القواسم المشتركة التي تجمع المسلمين والمسيحيّين، وأوصى بأن تكون الأولويّة صَوْن وحدتنا الإيمانيّة والوطنيّة. أمّا فضيلة الشيخ ربيع قبيسي فقد دعا إلى تحمّل المسؤوليّات وهي لا شكّ كبيرة. وقد تخلّل اللقاء خبرات حياةٍ حول العيش المشترك ولا سيّما في الأيّام الصعبة التي يمرّ بها اللبنانيّون.
ومن بينها مقتطفات ممّا قالته السيّدة زينب مكّه:
“عند كلّ مشاركةٍ لي في هكذا لقاء، أشعر بنفسي داخل بيتٍ كبيرٍ أحبّه كثيرًا لأنّه يجمعني بإخوةٍ وأخواتٍ وأهل. أتكلّم الآن عن خبرتي مع إخوتي المسيحيّين ولا سيّما مع جماعة الفوكولاري. تعلّمت معهم أنّ جمال الكون يكون في وجود إخوةٍ كثرٍ لك، إخوةٍ متنوّعين حسب مناطقهم، وبطريقة تفكيرهم ومعتقداتهم، ومتشابهين بك في مبادئهم الإنسانيّة وفي طينتهم الطيّبة والنقيّة. إكتشفت كم أنّ بمقدورنا إغناء حياتنا وتلوينها. فهمت جيّدًا معنى قول الإمام علي: “النّاسُ صِنْفانِ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ”. كلّ يومٍ عشناه سويًّا لنتعارف جعلنا نتعرّف على ذواتنا، فمعرفتي بإيمان أخي او أختي جعلني أغوص في معرفة إيماني، وفي التعرّف على ديني والتعمّق في بحاره، ليثبُتَ يقيني بأنّ جوهرَ الديانات واحد، وهذا أمرٌ محتّم، فمصدرُ الديانات نابعٌ من إلهٍ واحد. تعلّمتُ أنّ الديانات تختلف فقط بطريقة العبادة وبالعقيدة، ولكنّها تلتقي وتتشارك بالمبادئ العظيمة، كالمحبّة والرحمة والتسامح وحبّ الخير للآخر كما أحبّه لنفسي، أو لعلّه يكون أكثر… وَفَّقنا الله لنعيشَ سويًّا أوقاتًا روحانيّةً وإنسانيّةً سامية، فنحن خيرُ مصداقٍ لقول النبيّ محمد: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر”.
وتضيف زينب: “دعونا نسلّط الضوءَ على مشتركاتنا الجميلة، ونركّز عليها، فنبتعد عن كلّ ما يدعو إلى التفرقة، أوليس منه أيّ فائدةٍ تُرجى؟!”
لنعبد ربّنا ونتقرّب منه، كلٌّ على طريقته، وكما يعرف، لأنّ كلّ الطرق سوف تؤدّي بنا إلى واحدٍ يرعانا جميعًا”.
علت صلوات المؤمنين لتلمس السماء بإيمانها:
“يا إله الخير يا أرحم الراحمين
إليك نصلّي اليوم شاكرين
على ما تعطينا أن نعيشه معًا مسلمين ومسيحيّين.
“ولأنّ كلّ شيءٍ يعمل لصالح الذين يحبّون الله”، حوّل يا ربّ بمحبّتك كلّ ما نعيشه اليوم من خوفٍ من الآخر من انغلاق، من أحكامٍ مسبقة، إلى واحات لقاءٍ وفرحٍ وسلام.
حولنا تكثر محاولات التفرقة والفتنة بين أفراد الشعب الواحد. أعطنا أن نتحدّاها بنعمتك ونلتقي دومًا كعائلةٍ واحدة، نكتشف ميزات بعضنا البعض، نندهش أمام ما يجمعنا ونحترم ما يميّزنا.
أعطنا أن يكون ما يمرّ به وطننا، زمنَ مخاضٍ لولادة لبنان الجديد، لبنان الرسالة كما تريده أنت لا كما يريده العالم، لبنان الوحدة والتآخي والعيش الطيّب.
نلتقي اليوم لنصلّي لإلهٍ واحدٍ ونحن نؤمن بك ونشكرك.
أعطنا أن نبني سلام وطننا معًا كمسيحيّين ومسلمين، أبناء الوطن أجمعين، نبنيه على الصدق في التعاطي والتخلّي عن أفكارنا المسبقة، سلامًا نبنيه على أسسٍ ثابتةٍ تقوم على احترام الآخر والإعتراف به والتنازل عن مصالحنا الشخصيّة، سلامًا مبنيًّا على المحبّة المتبادلة يكون نابعًا منك أنت يا نبع السلام.
أعطِ لهذه البذرة التي زرعتها فينا هذا المساء أن تُثمر. إنّها وزنةٌ سلّمتنا إيّاها، هديّة ومسؤوليّة، فإمّا أن يكون لبنان هكذا أو لا يكون.
يا إله الخير يا أرحم الراحمين نسجد لك ونصلّي شاكرين”.وفي الختام، قدّم راعي الأبرشيّة هديّةً تذكاريّةً وهي غرسة زيتونٍ ترمز للسلام، وبدوره قدّم فضيلة الشيخ لسيادته نسخةً من القرآن الكريم.

(يتبع مقال للوزير ابراهيم شمس الدين)

المدينة الجديدة

Spread the love