ألكرامة أوّلًا
كمال شابٌّ موهوب، لفتَ منذُ صغرِهِ كلَّ مَن حَوله لشدَّةِ ذكائِهِ ونشاطِهِ وحيويّتِه. كبرَ وتعلّمَ تحت كنفِ والِدَيْه اللذينِ ربّياهُ على القيمِ والمحافظةِ على الشَرف. بعدَ تخرُّجِهِ وجدَ وظيفةً محترمةً في إحدى الشركات. كان يعملُ بصمتٍ وجَدٍّ حتّى تفوّقَ على زملائِه، فوعدَهُ رئيسُهُ بمركزٍ مهمٍّ في الإدارة. لكنّ المشكلة أنَّ ذلكَ الرئيس كانَ يستغلُّ مركزَهُ ويلتمسُ الهدايا من الناس مقابل تمريرِ الصفقات وتسهيلِ العمل.
وفي أحدِ الأيّام، فُضِحَ أمرُهُ أمامَ شُركائِه، فحاولَ جاهدًا أن يتهرّبَ من الإتّهاماتِ الموجّهة إليهِ بكلِّ الطرقِ والوسائل، فطلبَ من كمال أن يشهدَ على براءتِه.
حزِنَ كمال وشعرَ بالإهانة، في تلكَ اللحظة رأى حُلُمَهُ ينهارُ أمامَه، ويتساقط كما تتساقطُ أوراقُ الخريف. عاشَ صراعًا مصيريًّا وكأنَّهُ في امتحانٍ صعب، فقد كانَ عليهِ أن يختارَ بينَ المنصبِ الذي حَلمَ بهِ طولَ حياتِه والذي ثمنهُ قبول الذَّوبان في مشيئةِ الآخرين، وبينَ أن يفعلَ قناعتَهُ ويُصغيَ إلى صوتِ ضميرِه. وأخيرًا وصلَ إلى قرارِهِ النّهائي بأن يتخلّى عن المناصِبَ ويربَحَ كرامتَه. رفضَ أن يشهَدَ شهادَةَ زورٍ ويُعارضَ المبادىءَ التي تربّى عليها، فضّلَ أن يخسرَ المنصبَ وأن يبقى مُتصالحًا معَ نفسِه. وبالفعل عوقِبَ ذلكَ المدير بعزلِهِ من عملِه، أمّا كمال فسُرعانَ ما كافأهُ القدَرُ بمركزٍ أهمّ، فعاشَ طولَ حياتِهِ مقتنعًا بأنّ المناصبَ تأتي وتزول، أمّا الكرامة فمتى ماتَت دُفِنَت إلى الأبد.
هلا قسطنطين
Spread the love