“ألسلامُ حقّ”
من مكانٍ لآخر بل من قارّةٍ لأخرى يتألّم الإنسان هو هو… يتألّم من الفساد والإرهاب والنفاق والفرديّة ويبحث عن الطمأنينة والأمان وويتوق للإحتماء بأفياءِ علاقاتٍ جماعيّةٍ صادقة. وإليكم هذه الباقة من الشهادات التي أعطيت في الأونيسكو مؤخّرًا. ففي الخامس عشر من شهر تشرين الثاني الماضي أُقيمَ مؤتمرٌ في قصر الأونيسكو في باريس. جرت خلاله طاولةٌ مستديرةٌ حول موضوع “السلامُ حقّ”.
كان للمحامي رفايال تاكونكنغ من الكاميرون مداخلةً قيّمةً عن الفقر والتخلّف اللذين يتزايدان في أفريقيا بالرغم من ملايين الدولارات التي قَدَّمَها الغرب خلال السنين الماضية، وذلك من أجل إنشاء مشاريعَ مختلفة. لماذا؟ “إنّ الجواب، كما يقول رفايال، ليس في الحروب ولا الأمراض بل، وقبل كلّ شيء، في الفساد الذي أصبح واقعًا عاديّا، لا بل مقبولاً(…). يضطّرُ الفقراء إلى اللجوء إلى الرشوة ليدخلوا أفضل الكلّيات والمعاهد، أو للحصول على عمل، أو كي يستطيعوا الخروج من السجن. وحتّى القوانين لا تستطيع القضاء على هذه الآفة”. أضاف أيضًا أنّه في معظم بلاد أفريقيا، حماية الفرد، تلك القيمة المعترف بها عالميًّا، تتناقض إذا صحّ القول مع مبدأ الجماعة. فمبدأ الجماعة هو الأهمّ في التراث الأفريقيّ، يسمّى بال “الأُبُوتُو”، وهو “دعوةٌ للتعاضد ولإدراكِ واجباتِنا الشخصّية” كما يُعرّف عنه نلسون مانديلا. فَلْنتساءَلْ إذن: “هل أريدُ أن أساعد الجماعة التي تُحيط بي على التحسّن؟” مبدأ الجماعة هو قاعدةُ حياةٍ مبنيّةٍ على احترام الآخر والإيمان برابِطِ المشاركة الذي يُوَحّد الإنسانيّة، إنّه رغبةٌ بالسلام. لكنّ السلامَ مفقودٌ في أكثر من مكان، والسبب هو ثروة أفريقيا العظيمة التي يتخاصم الجميعُ على السيطرة عليها (…). ويتابع رافايل مضيفًا:”في بلدي، الكاميرون، الذي يعرفُ فسادًا كبيرًا، نشأت مدينةٌ صغيرةٌ أَحْيَتْها كيارا لوبيك بأعمالٍ إجتماعيّةٍ من أجل الحفاظ على شعب البَانْغْوَا الذي كان مُهدّدًا بالزوال بسبب مرضٍ خطيرٍ كان يُصيبُ الأطفال. لكنّها لم تَكْتَفِ بهذه الأعمال الإجتماعيّة بل حَمَلَتْ لِلْبَنْغْوَا نمطَ حياةٍ جديدٍ من وَحْيِ عيش الأخوّة. هكذا وُلِدَتْ حياةٌ مشتركةٌ مَبْنِيّةٌ على التبادُلِيّة، حياةٌ تستبقُ الصراع، تجدُ الحلولَ للمشاكل من داخل العائلة، فلا أحد يسرق ولا أحد يقتل، فالكلُّ في “مسيرة سلام”. هذا برهانٌ على أنّ الأخوّةَ يُمكنُ أن تصبحَ مبدأً قانونيًّا لِلْعَيْشِ المُشْتَرَك، تغيّر موازين القوّة لتتحوّل إلى علاقات استقبال واندماج تترجم تضامنًا ومسؤوليّة ودعمًا”.
أمّا الأستاذ عدنان مكراني فقال: “أودُّ أن أشاركَكُم ألمي وألم ملايين من المسلمين في العالم. الألم هو نقطةُ انطلاقٍ للوصول معًا إلى أفق الأمل. يعيشُ المسلم اليوم ألمًا كبيرًا. يرى أنّ الدّينَ الإسلاميّ الذي هو مصدرُ الحقيقة والجمال والمحبّة، والذي يعطي معنًى لحياته، هو اليوم مرتبطٌ في الأذهان بالشرّ والإجرام. الإرهابُ الإسلاميّ هو مثالُ إيديولوجيّةٍ معيّنةٍ ومُؤلمةٍ للمُسلِم. وهو ألمٌ يوميٌّ وإهانةٌ لملايين من المسلمين في العالم.
المسلمُ يتألّمُ أيضًا لأنّه يرى الأنظمةَ الفاسدة تستعملُ الدّينَ كغطاء، لإعطاء الشرعيّة لِما هو غير مُبرّرٍ وغير شرعيّ. فالإرهابُ الدُوَليّ المُتَخَفّي بقناعٍ من الخُبْث، يُؤلِمُ المسلم الذي يرى قِسْمًا من المُعارضة تستعملُ الدّينَ لِتَسْتَقْطِبَ الناس وتُحرّضَهُم على الحكم. يستعملون الإيمان ليُبَرِّروا الفَظاعات وغسيلَ الأدمغة.
يتألّمُ المسلم لأنّه يرى نفاقَ النظام العالميّ المُستَنِد على القوّة وعدم الإنصاف، ويَدَّعي أنّه حامي الديموقراطيّة وحقوقَ الإنسان. إنّ الإرهابَ الدُولِيّ يُرينا وحدةَ مصيرنا البشريّ وضعفَ ديموقراطيّتنا. هذا الضعف ليس إشارةً إنّما نتيجة التدخّل والتواطُؤ مع الأنظمة الديكتاتوريّة. التعاطي المُسالم بين العرب يُشكّلُ أملاً كبيرًا، لأنّه، وللمرّة الأولى، يتمّ الكلام عن المشاكل الحقيقيّة، عن الكرامة البشريّة، عن العمل، عن الحقوق، عن الديموقراطيّة وعن المواطنيّة (…). في ظلّ هذه الأوضاع يُثبّتُ الإرهاب الديكتاتوريّات ويُبْعِد عن جوهر المشاكل الحقيقيّة والحلول المُمْكن التوصُّل إليها. يفقدُ العالم الإسلاميّ أكثر فأكثر التعدّدية الدينيّة التي تجذّرت في التاريخ. وقد تسارعت هذه الخسارة في السنوات الأخيرة. المجتمع الآحاديّ مجتمعٌ فقيرٌ على المُستوَيَيْن الإنسانيّ والثقافيّ. فالإرهابيّون يختلقون الإنقسامات ويريدون خلق هوّة بين المسلمين، وبين المسلمين وباقي العالم”.نعم، إنّ السلام حقٌّ، لكنّه ينتظر أن تعمل القوانين من أجله. والقوانين التي تُعزّز الفرديّة تفتح المجال أمام المصالح والنزاعات (…)، أمّا إذا كانت شُموليّة مُرتبطة بالكرامة الإنسانيّة فَسَتَسْمَحُ بالعلاقة مع كلّ آخر. إنّ الأخوّة، هذا النموذج الجديد، يمكنُها أن تكونَ مبدأً للشموليّة وتصبحَ ثقافةً شرعيّة، ودربًا نحو السلام.
كان للمحامي رفايال تاكونكنغ من الكاميرون مداخلةً قيّمةً عن الفقر والتخلّف اللذين يتزايدان في أفريقيا بالرغم من ملايين الدولارات التي قَدَّمَها الغرب خلال السنين الماضية، وذلك من أجل إنشاء مشاريعَ مختلفة. لماذا؟ “إنّ الجواب، كما يقول رفايال، ليس في الحروب ولا الأمراض بل، وقبل كلّ شيء، في الفساد الذي أصبح واقعًا عاديّا، لا بل مقبولاً(…). يضطّرُ الفقراء إلى اللجوء إلى الرشوة ليدخلوا أفضل الكلّيات والمعاهد، أو للحصول على عمل، أو كي يستطيعوا الخروج من السجن. وحتّى القوانين لا تستطيع القضاء على هذه الآفة”. أضاف أيضًا أنّه في معظم بلاد أفريقيا، حماية الفرد، تلك القيمة المعترف بها عالميًّا، تتناقض إذا صحّ القول مع مبدأ الجماعة. فمبدأ الجماعة هو الأهمّ في التراث الأفريقيّ، يسمّى بال “الأُبُوتُو”، وهو “دعوةٌ للتعاضد ولإدراكِ واجباتِنا الشخصّية” كما يُعرّف عنه نلسون مانديلا. فَلْنتساءَلْ إذن: “هل أريدُ أن أساعد الجماعة التي تُحيط بي على التحسّن؟” مبدأ الجماعة هو قاعدةُ حياةٍ مبنيّةٍ على احترام الآخر والإيمان برابِطِ المشاركة الذي يُوَحّد الإنسانيّة، إنّه رغبةٌ بالسلام. لكنّ السلامَ مفقودٌ في أكثر من مكان، والسبب هو ثروة أفريقيا العظيمة التي يتخاصم الجميعُ على السيطرة عليها (…). ويتابع رافايل مضيفًا:”في بلدي، الكاميرون، الذي يعرفُ فسادًا كبيرًا، نشأت مدينةٌ صغيرةٌ أَحْيَتْها كيارا لوبيك بأعمالٍ إجتماعيّةٍ من أجل الحفاظ على شعب البَانْغْوَا الذي كان مُهدّدًا بالزوال بسبب مرضٍ خطيرٍ كان يُصيبُ الأطفال. لكنّها لم تَكْتَفِ بهذه الأعمال الإجتماعيّة بل حَمَلَتْ لِلْبَنْغْوَا نمطَ حياةٍ جديدٍ من وَحْيِ عيش الأخوّة. هكذا وُلِدَتْ حياةٌ مشتركةٌ مَبْنِيّةٌ على التبادُلِيّة، حياةٌ تستبقُ الصراع، تجدُ الحلولَ للمشاكل من داخل العائلة، فلا أحد يسرق ولا أحد يقتل، فالكلُّ في “مسيرة سلام”. هذا برهانٌ على أنّ الأخوّةَ يُمكنُ أن تصبحَ مبدأً قانونيًّا لِلْعَيْشِ المُشْتَرَك، تغيّر موازين القوّة لتتحوّل إلى علاقات استقبال واندماج تترجم تضامنًا ومسؤوليّة ودعمًا”.
أمّا الأستاذ عدنان مكراني فقال: “أودُّ أن أشاركَكُم ألمي وألم ملايين من المسلمين في العالم. الألم هو نقطةُ انطلاقٍ للوصول معًا إلى أفق الأمل. يعيشُ المسلم اليوم ألمًا كبيرًا. يرى أنّ الدّينَ الإسلاميّ الذي هو مصدرُ الحقيقة والجمال والمحبّة، والذي يعطي معنًى لحياته، هو اليوم مرتبطٌ في الأذهان بالشرّ والإجرام. الإرهابُ الإسلاميّ هو مثالُ إيديولوجيّةٍ معيّنةٍ ومُؤلمةٍ للمُسلِم. وهو ألمٌ يوميٌّ وإهانةٌ لملايين من المسلمين في العالم.
المسلمُ يتألّمُ أيضًا لأنّه يرى الأنظمةَ الفاسدة تستعملُ الدّينَ كغطاء، لإعطاء الشرعيّة لِما هو غير مُبرّرٍ وغير شرعيّ. فالإرهابُ الدُوَليّ المُتَخَفّي بقناعٍ من الخُبْث، يُؤلِمُ المسلم الذي يرى قِسْمًا من المُعارضة تستعملُ الدّينَ لِتَسْتَقْطِبَ الناس وتُحرّضَهُم على الحكم. يستعملون الإيمان ليُبَرِّروا الفَظاعات وغسيلَ الأدمغة.
يتألّمُ المسلم لأنّه يرى نفاقَ النظام العالميّ المُستَنِد على القوّة وعدم الإنصاف، ويَدَّعي أنّه حامي الديموقراطيّة وحقوقَ الإنسان. إنّ الإرهابَ الدُولِيّ يُرينا وحدةَ مصيرنا البشريّ وضعفَ ديموقراطيّتنا. هذا الضعف ليس إشارةً إنّما نتيجة التدخّل والتواطُؤ مع الأنظمة الديكتاتوريّة. التعاطي المُسالم بين العرب يُشكّلُ أملاً كبيرًا، لأنّه، وللمرّة الأولى، يتمّ الكلام عن المشاكل الحقيقيّة، عن الكرامة البشريّة، عن العمل، عن الحقوق، عن الديموقراطيّة وعن المواطنيّة (…). في ظلّ هذه الأوضاع يُثبّتُ الإرهاب الديكتاتوريّات ويُبْعِد عن جوهر المشاكل الحقيقيّة والحلول المُمْكن التوصُّل إليها. يفقدُ العالم الإسلاميّ أكثر فأكثر التعدّدية الدينيّة التي تجذّرت في التاريخ. وقد تسارعت هذه الخسارة في السنوات الأخيرة. المجتمع الآحاديّ مجتمعٌ فقيرٌ على المُستوَيَيْن الإنسانيّ والثقافيّ. فالإرهابيّون يختلقون الإنقسامات ويريدون خلق هوّة بين المسلمين، وبين المسلمين وباقي العالم”.نعم، إنّ السلام حقٌّ، لكنّه ينتظر أن تعمل القوانين من أجله. والقوانين التي تُعزّز الفرديّة تفتح المجال أمام المصالح والنزاعات (…)، أمّا إذا كانت شُموليّة مُرتبطة بالكرامة الإنسانيّة فَسَتَسْمَحُ بالعلاقة مع كلّ آخر. إنّ الأخوّة، هذا النموذج الجديد، يمكنُها أن تكونَ مبدأً للشموليّة وتصبحَ ثقافةً شرعيّة، ودربًا نحو السلام.
إعداد حياة فلاّح